لقد أثر منهج المحدثين في التزام الإسناد في نطاق الحديث على المؤرخين وأهل الأدب حيث أصبحت الأسانيد تتقدم الروايات التأريخية والأدبية، وهكذا امتد استعمال الأسانيد إلى كتب السيرة الأولى كسيرة ابن إسحاق ومغازي الواقدي والطبقات الكبرى لابن سعد وكتب التأريخ مثل تأريخ خليفة بن خياط وتأريخ الأمم والملوك للطبري وكتب الأدب ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ولكن استعمال الأسانيد في كتب التأريخ والأدب لم يكن بالدقة التي استعمل بها في كتب الحديث لما للحديث من أهمية خاصة حيث تترتب عليه الأحكام الشرعية ذات المساس الكبير بمصالح الناس مما يجعل التدقيق فيها أمرا ضروريا. إذ دراسة علوم الحديث تؤكد أن الإسناد هو المحور الذي تدور حوله كثير من قواعد نقد الحديث، حيث انصب النقد والملاحظات على الرجال الذين رووا الحديث وتناقلوه خلفا عن سلف1. ومن هنا اهتم العلماء بالتعريف بهؤلاء الرجال فشخصوهم بضبط أسمائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم لآبائهم وأمهاتهم، وذكر بعض شيوخهم وطلابهم وتسجيل رحلاتهم في البلدان ولقائهم مع علمائها، وبيان أحوالهم وأخلاقهم مما له أهمية في توثيقهم وتضعيفهم، وبإطلاق حكم صريح عليهم وذلك باستعمال عبارات الجرح والتعديل، وذكر نماذج من مروياتهم مما يدل على مكانتهم في العلم وطبقتهم بين العلماء، وضبط سني وفياتهم ... وقد تجمعت هذه الملاحظات المنوعة في علم خاص بالرجال فألفت فيه كتب تفنن المصنفون في تنويعها وترتيبها. وسيعرض الفصل التالي لدراسة هذه المصنفات وبيان قيمة ما تحتويه من معلومات وفائدة ما فيها من تنظيم.