الفقهية بوضع هذه الأسانيد المتصلة من مجازفة، فقد اعتمد الشافعي على مراسيل سعيد بن المسيب واعتمد أبو حنيفة على مراسيل شيوخه ولم يقوما بوصل هذه المراسيل ولا فكر أتباعهما بوصلها فبقيت في كتبهم على حالها من الإرسال1.
إن اختلاق الأسانيد قام به الوضاعون الذين دفعتهم أغراض عديدة إلى الوضع، سبق تفصيلها، ولا يمكن إتهام أصحاب المذاهب بذلك، وهم الأمناء على الشريعة، والحافظون للأحاديث من أن يدخلها الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرفنا صحيح الحديث من ضعيفه ولا صدقه من كذبه ولا تعديل الرواة أو جرحهم إلا من طريق هؤلاء الأعلام فكيف يسوغ لدى الباحث المنصف والمؤرخ الناقد أن يتهم هؤلاء الأئمة الأخيار.
وقد ذهب فؤاد سزكين إلى القول بأن الإسناد بدأ يفقد مكانته منذ أن ألف البخاري صحيحه فأكثر فيه التعاليق والفقرات اللغوية والتاريخية دون إسناد2، ولكن هذه التعليقات التي أوردها البخاري دون إسناد ليست من "الجامع المسند الصحيح المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" وهو العنوان الذي ربما اختاره البخاري لكتابه ليكون أول تنبيه على عدم اعتبار التعليقات منه حتى لو صحت أسانيدها من طرق أخرى غير طريق البخاري.
إن الأحاديث المسندة الموصولة التي أوردها البخاري هي التي تكون "الجامع المسند الصحيح" الذي يتمثل فيه منهج البخاري وتنطبق عليه شروطه المعرفة، وفيها تظهر الأسانيد بأكمل صورها وأعلى طرقها وأدقها، فلا يصح القول بأن الإسناد "بدأ من البخاري يفقد مكانته" خاصة وأن من صنف في الحديث بعد البخاري -وخاصة بقية أصحاب الكتب الستة- اهتموا بالإسناد المتصل أيضا.