منوطا بذكر الإسناد قال شعبة (ت160هـ) : "كل حديث ليس فيه أنا وثنا فهو خل وبقل"1. أي أنه كالطعام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وفي هذا المعنى قال شعبة أيضا: "كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام"2.

فكما أن ذلك الرجل لا يستطيع توجيه بعيره فكذلك لا يستطيع المحدث ضبط الحديث وتمييزه ومعرفته دون إسناد، فالإسناد هو الوسيلة إلى نقد الحديث ومعرفته ولذلك قال سفيان الثوري "الإسناد سلاح المؤمن إذا لم ين معه سلاح فبأي شيء يقاتل"3.

ولذلك فإن الحديث الذي لا إسناد له يعتبر مرفوضا قال بهز بن أسد: "لا تأخذوا الحديث عمن لا يقول ثنا"4.

فلا غرابة إذا ما أصبح السؤال عن الإسناد أمرا شائعا لا يقتصر على أرباب العلم بل يهتم به غيرهم أيضا، فهذا أعرابي قدم على سفيان بن عيينة يسأله ما تقول في امرأة من الحاج حاضت قبل أن تطوف بالبيت؟ فأجابه سفيان: تفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت. فقال الأعرابي: هل من قدوة؟ قال: نعم عائشة حاضت قبل أن تطوف بالبيت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ما يفعل الحاج غير الطواف. قال الأعرابي: هل من بلاغ عنها؟ قال: نعم حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة بذلك. قال الأعرابي: ولقد استسمنت القدوة وأحسنت البلاغ والله لك بالرشاد"5. وهكذا لم يكتف الأعرابي حتى سأل عن سند الرواية كاملا، ولم يجد ابن عيينة في سؤاله بأسا، بل أجابه عما سأله عنه. ومن طريف ما يذكر مما له دلالة على أهمية الإسناد أن المأمون وجه إلى محمد بن عبد الله الأنصاري خمسين ألف درهم وأمره أن يقسمها بين الفقهاء بالبصرة فكان هلال بن مسلم يتكلم عن أصحابه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015