وقد بدأ الاهتمام بالإسناد والسؤال عنه في فترة مبكرة، وذلك في أعقاب الفتن التي بدأت منذ خلافة عثمان رضي الله عنه وأدت إلى التمزق والانفلاق الضخم في كيان المجتمع الإسلامي وظهور الأهواء السياسية المتعارضة والآراء المتعصبة المتدافعة مما أدى إلى ظهور الكذب في الحديث وجعل العلماء يتثبتون في مصادر الرواية ويسألون عن الرجال الذين اشتركوا في نقلها قال محمد بن سيرين "ت110هـ" "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وبنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"1. وهكذا اعتبر ابن سيرين الفتنة زمن عثمان بداية السؤال عن الإسناد لظهور الوضع وبروز الانشقاقات عن الجماعة حيث عبر ابن سيرين عن المنشقين باسم "أهل البدع" وقد رأى شاخت أن المقصود ليس الفتنة زمن عثمان بل فتنة مقتل الوليد بن يزيد "ت126هـ" معتمدا على التوافق في استعمال كلمة "الفتنة" بين قول ابن سيرين ونص ورد في الطبري حيث قال في حوادث سنة 126هـ "اضطرب أمر بني مروان وهاجت الفتنة" وقد جر هذا الافتراض شاخت إلى اعتبار كلام ابن سيرين موضوعا عليه لأنه توفي سنة 110هـ أي قبل الفتنة2.
على أنه لا يمكن أن ننفي نسبة قول ابن سيرين إليه فقد أوردته المصادر المعتمدة، ولم يقل بوضعه أحد من النقاد بل قد روي عن ابن سيرين نفسه ما يؤكد ذلك حيث قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما خف لها منهم مائة"3، وهناك أدلة تؤيد أن السؤال عن الإسناد بدا في فترة مبكرة في أعقاب الفتنة الأولى التي بدأت زمن عثمان وقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى ابراهيم النخعي أنه قال: إنما سئل عن الإسناد أيام المختار وسبب