يعتبر كتاب "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"1 للإمام محمد بن إسماعيل البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، عز وجل، عند جمهور المحدثين، وقد انتقاه البخاري من ستمائة ألف حديث2، ولا شك أن معظم هذه الأحاديث كانت مدونة في كتب المسانيد والمصنفات الحديثية الأخرى التي دوهها علماء القرن الثاني الهجر وسمعها البخاري عن شيوخه باسانيدهم إلى مصنفيها لذلك يعبر عن كيفية التحمل بألفاظ السماع3، ومكث البخاري في تصنيفه ست عشرة سنة4، واقتصر فيه على الحديث الصحيح وهو أول من أفرد الصحيح، لكنه لم يستوعب الصحيح فقد صرح بأن ما تركه من الحديث الصحيح أكثر مما أثبت لئلا يطول الكتاب5. ولا يدخل ما فيه من التعاليق والمتابعات والشواهد ضمن الصحيح6. وقد استقرأه العلماء ليتبينوا شرط البخاري في تخريج أحاديثه، فوجوده يشترط إلى جانب عدالة رجال سلسلة إسناده إلى الصحابي، واتصال إسناده، أن يكون الراوي اللاحق في الطبقة الأولى من الرواة عن شيخه، فلو أن الرواة عن الإمام ابن شهاب الزهري يقسمون من حيث الحفظ والإتقان وطول صحبتهم له إلى خمس طبقات، فإن البخاري يخرج لمن هم في الطبقة الأولى من الرواة عن الزهري فهم شرطه،