جماعة فقال: "ما هذا؟ " قالوا: رجل علامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما العلامة؟ " قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربية وعالم بالأشعار وعالم بالأشعار العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله" 1. وبإسناد آخر عن أبي هريرة، أنه قال: "هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر" 2، وهكذا لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الاجتماع على تعلم الأنساب والأخبار والأشعار، وقد حدث الكلام عنها في مسجده بالذات، وأما قوله: "هذا علم لا ينفع" في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فلعله أراد الأشعار والأخبار لأن نفع علم الأنساب ظاهر وقد حض صلى الله عليه وسلم تعلمه3. إذ أن قسما من أحكام الشرع يحتاج تطبيقها إلى معرفة الأنساب، ولذلك كانت معرفة بعض الأنساب فرضا على المسلمين كمعرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش فلو جهلت الأنساب لأمكن ادعاء الخلافة لمن لا تحل له، وكمعرفة الأنسان أباه وأمه وكل من يلقاه بنسب في رحم محرمة لما يترتب على ذلك من أحكام الزواج والمواريث4.
لقد رتب ديوان الجند الذي أنشأه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على القبائل، وقد راعى عمر القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم في تسلسل القبائل التي سجلها فقدم بني هاشم على غيرهم من العشائر القرشية، وقدم قريش على غيرها من القبائل العربية5، وقد أصبح هذا التسلسل في ترتيب العشائر أساسا اتبعته كتب النسب التي كتبت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري فيما بعد.
ويمكن أن نعتبر ديوان الجند أول تقييد شامل للأنساب وكانت الحاجات العملية للدولة هي التي أدت إلى ظهوره.