الذي قال، وأن الآية وجهان، أو سنة رويت مخففة، أو سنة ظاهرها يحتمل وجهين لم يعمل بأحد الوجهين حتى يجد دلالته في كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس على أن الوجه الذي [94/أ] عمل به هو الوجه الذي يلزمه، والذي هو أولى به من الوجه الذي تركه، وهكذا لا يعمل بالقياس أبدًا حتى أولى بالشبه بالكتاب أو السنة أو الإجماع". والمقصود أنه لا يعمل بالتقليد وإنما يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده، وبه قال أبو يوسف، ومحمد، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إن كان القاضي أعلم من مخالفه عمل على اجتهاد نفسه، وإن كان مخالفه أعلم منه عمل على اجتهاد مخالفه. وقال بعض أصحابنا ببغداد: إذا لم يبن له حكم الحادثة جاز له ترك الاجتهاد إلى قول من يوافقه، ولا يجوز أن يعمل بقول غيره وهو يعتقد خطأه، وظاهر مذهب أبي حنيفة ما تقدم. واحتج عليه بأنه قول من هو أعلم منه عنده إذا صار إليه، فهو ضرب من الاجتهاد وهذا لا يصح؛ لأنه من أهل الاجتهاد يجوز له التقليد كما لو قلد من هو مثله.
وأما ما ذكره فلا يصح؛ لأن من هو أعلم منه يجوز عليه الخطأ، فإذا اعتقد أن ما قاله خطأ لم يجز أن يعمل به، وجوز بعض العلماء تقليد علماء السلف، وجوز بعض أصحاب الحديث تقليد الصحابة والتابعين دون غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم". ومنهم من قال: يجوز تقليد الأربعة من الخلفاء ولا يجوز تقليد غيرهم. وقال بعضهم: يجوز تقليد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".
فإن قيل: ما قاله الشافعي - رضي الله عنه - خطأ؛ لأنه جعل القبول من النبي صلى الله عليه وسلم تقليدًا. قلنا: لم يرد به حقيقة التقليد، وإنما أراد به القبول من غير السؤال عن وجهه، وهل يقع عليه اسم التقليد؟ فيه وجهان؛ فمن قال بتناوله الاسم احتج بهذا الاستثناء، [94/ب] فإن الشافعي - رضي الله عنه - استثنى ذلك من التقليد في الجواز، وهذا هو الصحيح من المذهب. ومن قال لا يتناوله قال: هذا استثناء من غير الجنس - أي التقليد - لا يجوز، لكن قبول قول رسول الله جائز.
فرع
لو لم يصل القاضي باجتهاده إلى حكم الحادثة ففي جواز تقليده فيها وجهان: قال ابن سريج: يجوز أن يقلد فيها للضرورة، ويحكم فإنه ما م حاكم عالم إلا يجوز أن يشكل عليه أحكام بعض الحوادث. وقال أبو إسحاق: لا يجوز، بل يستخلف عليها