فرع آخر
إذا بلغت الصغيرة هل لها أن تلاعن بعد لعانه؟ وجهان؛ أحدهما: لا تلاعن لأنه لم يجب عليها بلعانه حد. والثاني: لها ذلك لسفي بلعانها المعرة عن نفسها.
مسألة: قال: "ولا أجبرُ الذميةِ على اللعانِ إلَّا أنْ ترغبَ فِي حكمنَا".
الفصل
قد بينا في كتاب "النكاح" أنه هل يلزم على الحاكم أن يحكم بين الذميين إذا جاءا أو أحدهما وأجاب هاهنا على القول الذي يقول: إن الحاكم بالخيار في الحكم بينهم ولا يلزمه أن يحكم بينهم لأنه قال: فإن لم يفعل حددناها أن يثبت على الرضا بحكمنا، وأما إذا تحاكم مسلم وذمية يلزمه الحكم بينهما قولاً واحدًا ولا يعتبر رضا الذمية، ولكنه إذا قذفها ولا عن فأبت عن اللعان تركت على هذا القول ولا تجبر عليه لأنه ليس في لعانها إلا درء الحد عن نفسها وهو حق الله تعالى فلا يلزمها ذلك إلا أن ترضي. قال القفال: وعلى القول الذي يقول: يلزم الحاكم الحكم بينهما في مسألة القذف واللعان بالحكم هكذا وهو أنها لا تجبر على اللعان لأن القولين في حق الآدمي وفي حق الله تعالى يحتاج إلى الرضي قولاً واحدًا.
قال أصحابنا: وفيما ذكر الشافعي هاهنا دليل على أن الرجل المسلم إذا لاعن وقال: لا أطلب لعان زوجتي وهي مسلمة فالحاكم يطالبها باللعان، فإن لم تفعل حدها لأنه حق الله تعالى فلا يسقط بعدم مطالبة الزوج. وقال المزني: لا يعتبر رضاها [185/ ب] بعد لعانه فإن لم يلاعن حدت لأنها لما رضيت في الأول لزمها حكمنا ولا يعتبر المقام على الرضا واختار أيضًا أن لعن الذمية يجبرون على أحكامنا على أحد. واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا ولو قدروا على أن يدفعا ذلك بترك الرضا لفعلا قلنا: أجمعنا على أنهما قدرا على إسقاط الرجم لأنه ثبت عليهما الزنا باعترافهما وعرف أن يرجع في حقوق الله تعالى إلى متى شاء وأيضًا فلا يكون مما فائدة في أن لا يرضيا بحكم الإسلام. ثم قال: "وقال في الإملاء: إن أَبتْ أن تُلاعِنَ حددناها" وهذا أحد قوله إنهم يجبرون على أحكامنا فلا يعني بذلك الاحتجاج به، واعلم أن المزني قال في أول كلامه: أولى به أن يحدها لأنها رضيت وقوله لأنها رضيت لغو من الكلام من هذا القول الذي اختاره ولا فائدة فيه؛ لأنا إذا قلنا بهذا القول فتلكأت عن اللعان أقمنا عليها الحد رضيت في الابتداء أو لم ترض وظاهر كلام المزني يوهم كون الرضا في الابتداء شرطا على قوله الذي اختاره.