استجلبت الملك، أباحت الأكل، ولم يتعلق بها حكم ما لم يوجد فيها من استهلاك وتحريم.
والجراحة الثانية لما استهلكت الملك، وحرمت الأكل اختص بها حكم ما يوجد فيها من الاستهلاك والتحريم؛ لتنافي الحكم في الجراحتين، فعلق على كل واحدة حكمها.
والثالث: حكاه أبو علي بن أبي هريرة أن ينظر حال الصيد، فإن حصل في يد صاحبه حياً، فعلى الثاني، قسطه من القيمة كما قلناه في الوجه الأول لأن الجراحة الأولى مع إدراك حياته قد صارت كالثانية في استهلاكه وتحريمه، فتقسطت القيمة عليهما، وإن لم يحصل في يد صاحبه إلا ميتاً، فعلى الثاني جميع القيمة كما قيل في الوجه الثاني؛ لأن الجراحة الأولى عنا فوات ذكاته لم يكن لها تأثير في استهلاكه، ولا تحريم.
والرابع: وهو أظهرها عندي أنه إن مضى في الزمان بين الجراحتين قدر ما يدركه صاحبه. فالقيمة بينهما، وعلى الثاني قسطه منها كالوجه الأول؛ لأن مضى زمان إدراكه موجب لتحريمه عنا فوات ذكاته، فاستوت الجراحتان في التحريم فقسطت القيمة عليهما وإن لم يمض بين الجراحتين زمان إدراكه، والجراحة الثانية هي المختصة بالتحريم، فاختص الثاني بجميع القيمة كالوجه الثاني؛ لأن قصور الزمان يمنع من تأثير الأول في التحريم.
فصل:
فإذا تقرر ما ذكرنا من هذه الوجوه الأربعة وتعليل كل وجه منها، فإن وجب بها على الثاني جميع القيمة على مقتضى تعليلها صار الجرح الثاني كالتوجية في غير محل الذكاة، فيلزم الثاني جميع قيمة الصيد مجروحاً، وزعم المزني أن مسألة الكتاب في الثاني أن يكون موجياً؛ لأنه أوجب جميع القيمة، وأنكر سائر أصحابنا أن تكون مسألة الكتاب في الثاني أن يكون موجياً، لأنه أوجب جميع القيمة وما قاله الشافعي من إطلاق وجوب القيمة محمول على اختلاف الوجوه الأربعة، فيكون إطلاقها عند وجوب الكل محمولاً عليه، وعند وجوب القسط محمولاً عليه، وأما إذا وجب على الثاني قسطه من القيمة على مقتضى الوجوه الأربعة، وهو مختص بمسألة الكتاب، فقد اختلف أصحابنا حينئذٍ في تعليل الحكم الموجب لتقسيط القيمة والعمل المؤدي إليه على خمسة أوجه يتضح بيانها إذا ذكرت قيمة الصيد وأوش الجرح، فتصورها في صيد مملوك قيمته عشرة دراهم جرحه الأولى جرحاً نقص من قيمته درهماً، وجرح الثاني نقص من قيمته درهماً، ثم مات من الجراحتين، فأخذ الوجوه الخمسة في تعليل الحكم من طريق العمل وهو قول أبي إبراهيم المزني إنك توجب على كل واحد من الجارحين أوش جراحه، ثم تقسم قيمة الصيد بعد الجراحتين بينهما نصفين، وتجمع على كل واحد منهما ما بين نصف قيمته (وأرش) جراحته