يهل في إقليم آخر واختاره القاضي أبو حامد والدليل عليه ما روي عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنه قال: بعثني أم الفضل بنت الحارث إلى الشام في حاجة عرضت لها عند معاوية رضي الله عنه فرأى الناس الهلال ليلة الجمعة وصاموا وصمت فرجعت إلى المدينة فسألني ابن عباس متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال: أما نحن فقد رأينا ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال أو ستكمل العدة ثلاثين فقلت: أما يكفيك رؤية أمير المؤمنين والناس فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أصحابنا: يحتمل أنه كان عنده نص في ذلك ويحتمل أنه أراد به قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته" وبهذا قال أبو حنيفة.
قال أبو حامد: وحكي لي ثقة أن من البلاد ما لا يزيد الليل فيه عن النهار ومنها ما تكون الشمس طالعة فيه ولا تكون في غيره فإذا كان [272 ب/4] كذلك كان لكل بلد طلوع نفسه وغروب نفسه ورؤية نفسه، وقال القاضي الطبري وجماعة: هذا غلط، وإذا رآه في بلد وجب على أهل سائر البلاد الصوم وحكي هذا عن أحمد لأن الأرض مسطحة مبسوطة فإذا رُئي في بلد عرفنا أن المانع في بلد آخر عارض يمنع الرؤية لأن الهلال لم يستهل والأول أظهر عندي فإذا قلنا بهذا فلو رأى الهلال ليلة السبت فحكمه حكم البلد الذي انتقل إليه وليس له أن يفطر قبلهم لما روي في حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه أمر كريبًا أن لا يفطر وأن يقتدي بأهل المدينة ذكره أصحابنا بخراسان، وقيل فيه وجهان، والأصح أنه لا يفطر لئلا يخالف أهل تلك البلدة وذكروا أيضًا أنه يعتبر القرب والبعد بمسافة القصر في هذا الحكم وهو غلط، بل الاعتبار في أحد الوجهين بالإقليمين.
فرع آخر
لو أن واحدًا من أهل البلد الذي لم يرقبه الهلال سافر إلى البلدة التي رأوا فيها الهلال ثم هم أفطروا في آخر الشهر فإن أفطروا برؤية الهلال أفطر معهم [273 أ/4] وإن أفطروا بكمال العدد ثلاثين يومًا فإن قلنا: حكمهم يلزمهم أهل البلاد يفطر معهم لا يلزم فيه وجهان على عكس المسألة الأولى، فإن قلنا: هناك لا يفطر تبعًا لأهل البلدة التي هو فيها فهاهنا يفطر، وإن قلنا: هناك يفطر لاعتبار حكم البلدة التي سافر عنها فهاهنا لا يباح له الفطر حتى يرى الهلال أو يكمل العدد.
مسألة: قَالَ (?): وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا من جِمَاعٍ أَوِ احْتِلاَمٍ.
الفصل
وهذا كما قال: إذا جامع بالليل وأصبح وهو جنب لم يضر صومه، وكذلك إذا احتلم في النهار اغتسل وأتمّ صومه، وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر