حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَبَّاسِيُّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ الْإِسْنَانِيُّ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ح هِشَامٌ، عَنْ أَبِي جَهْمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْرُؤُ الْقَيْسِ صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ» فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلنَّاسِ أَلْوِيَةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَلْوِيَةٌ أُخْرَى فَصِيحَةٌ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: «عِنْدَ اسْتِهِ» لِيَكُونَ أَفْضَحَ لَهُ وَأَشْيَنَ، فَلِوَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلِوَاءُ الثَّنَاءِ، وَالَّذِينَ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ أَلْوِيَةٌ أُخْرَى وَشَيْنٌ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُحْبَتِهِ الْحَمَّادُونَ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمَدُ كُلِّ مَحْمُودٍ مِنَ الْخَلْقِ فَلِوَاؤُهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ قَالَ: فَيَحْمِلُهُ، وَيُفْتَحُ لَهُ مِنَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُفْتَحْ لِأَحَدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: «وَلَا فَخْرَ» يَقُولُ: لَا فَخْرَ لِي بِالْعَطَاءِ بَلِ الْفَخْرُ لِي بِالْمُعْطِي. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ» يَعْنِي بِالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالرِّضَا وَالْقَبُولِ يُقَالُ: دَخَلْتُ عَلَى الْأَمِيرِ فَاسْتَقْبَلَنِي بِكُلِّ جَمِيلٍ إِذَا أَكْرَمَهُ وَأَدْنَاهُ وَسَمِعَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ يَعْنِي يُكْرِمُنِي وَيُدْنِينِي، وَيَسْمَعُ مِنْهُ، وَيُجِيبُ دُعَائِي، وَيُعْطِنِي سُؤَالِي، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «قُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِقْبَالُ بِمَعْنَى الْقَبُولِ، وَقَدْ يَجِيءُ فِي الْكَلَامِ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ كَمَا يُقَالُ اسْتَقْدَمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ، يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: اسْتَقْدَمْتَ رَحَّالَتَكَ وَاسْتَعْجَلَ بِمَعْنَى عَجِلَ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]
وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ» أَيْ يَقْبَلُنِي إِيجَابًا، وَقَضَاءً لِحَاجَتِي، وَإِشْفَاعًا لِي -[346]-. وَقَوْلُهُ: «مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنْ إِيمَانٍ» أَيْ مِنْ عَمَلِ الْإِيمَانِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مِنَ الْإِيمَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «فِي قَلْبِهِ» كَأَنَّهُ يَقُولُ عَمِلَ عَمَلًا بِنِيَّةٍ مِنْ قَلْبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ رَحْمَةً عَلَى مُسْلِمٍ رَأْفَةً عَلَى يَتِيمٍ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجَاءً لَهُ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ ثِقَةً بِهِ، هَذِهِ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا هِيَ أَفْعَالُ الْقَلْبِ دُونَ الْجَوَارِحِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِيمَانِ مَا قُلْنَا وَلَمْ يُرِدْ تَجْزِئَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ التَّوْحِيدُ لَهُ وَنَفْيُ الشِّرْكِ عَنْهُ، وَالْإِخْلَاصُ لَهُ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّهُ قَالَ: «وَيَبْقَى قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا» أَيْ هُمْ مُوَحِّدُونَ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالتَّوْحِيدِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ