قال ذو النون المصري رضي الله عنه: عطشت في بعض أسفاري عطشا شديدا، فعدلت إلى بعض السواحل أريد الماء، فإذا أنا بشخص قد ائتزر بالحياء والإحسان، وتدرّع بدراع البكاء والأحزان، قائم على ساحل البحر يصلي، فلما سلّم دنوت منه، وسلمت عليه قال: وعليك السلام يا ذا النون.
قال: فقلت له: يرحمك الله، من أين عرفتني؟!.
قال: اطّلع شعاع أنوار المعرفة من قلبي على صفاء نور المحبة من قلبك، فعرفت روحي روحك بحقائق الأسرار، وألف سريّ سرّك في محبة العزيز الجبار.
قال: فقلت: ما أراك إلا وحيدا!.
قال: ما الأنس بغير الله إلا وحشة، وما التوكل بغيره إلا ذل.
فقلت له: أما تنظر إلى تغطغط هذا البحر، وتلاطم هذه الأمواج؟.
فقال: ما بك من العطش أكثر من ذلك.
فقلت: نعم، فدلني على الماء بقرب منه فشربت، ورجعت إليه، فوجدته يبكي بشهيق وزفير.
فقلت له: يرحمك الله، ما يبكيك؟ ّ.
فقال: يا أبا الفيض، إن لله عبادا سقاهم بكأس محبته شربة أذهبت عنهم لذة الكرى.
قال: فقلت له: دلني على أخل ولاية الله يرحمك الله.
قال: هم الذين أخلصوا في الخدمة، فاستخصّوا بالولاية، وراقبوا مولاهم، ففتح لهم في نور القلوب.
قال: فقلت له: ما علامة المحبة؟.