بحر الدموع (صفحة 87)

حسبتك عارفا، فلما تكلمت حسبتك وامقا (?) ، وإذا بك يا مسكين لا عارفا ولا وامقا، تدّعي محبتي وتنظر إلى غيري، وأنت لم تصل إلى قربي، ثم ولّت عني، ورمقت إلى السماء بطرفها، ونادت، آه.... آه، حب الوصال شرّدني، آه آه، خوف القطيعة أزعجني، آه من الانفصال قبل الاتصال، وجعلت تقول:

حبي في ذي القفار شرّدني ... آه من الحب ثم آه

خوف فراق الحبيب أزعجني ... آه من الخوف ثم آه

شبه حالي بتاجر غرق ... نجا من البحر ثم تاه

ومن الكتاب المذكور: قال سالم: بينما أنا سائر مع ذي النون المصري في جبل لبنان، إذ قال مكانك يا سالم حتى أعود إليك، فغاب عني ثلاثة أيام في الجبل، وأنا أطعم نفسي من نبات الأرض، وأسقيها من غدرانها إذا طالبتني بشيء من القوت.

فلما كان بعد ثلاثة أيام، عاد إليّ وهو متغيّر اللون، ذاهب العقل.

فقلت له: هل عارضك السبع يا أبا الفيض؟.

فقال: دعني من تخويف البشرية، إني دخلت كهفا من كهوف هذا الجبل، فرأيت فيه رجلا أبيض الرأس واللحية، أشعث أغبر، نحيفا، كأنه خرج من قبره، ذا منظر يهول وهو يصلي، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام، وقال لي: الصلاة، وقام إلى الصلاة، فلم يزل راكعا ساجدا حتى صلى العصر واستند إلى حجر كان بإزاء محرابه، وهو لا يكلمني، فبدأته الكلام، وقلت له: يرحمك الله أوصني بشيء أنتفع به، وادع لي بدعوة.

فقال لي: يا بني، من آنسه الله سبحانه بقربه، أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلما من غير تعلّم، وغنى من غير مال، وأنسا من غير جماعة، ثم شهق شهقة لم يفق منها إلا بعد ثلاثة أيام، حتى ظننت أنه ميّت، فلما أفاق قام وتوضأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015