وقال عطاء السليمي لعمر بن يزيد السلمي: أوصني:
فقال: يا أحمد، الدنيا بلاء في بلاء مع هوى النفس ومقارنة الشيطان، والآخرة بلاء في بلاء مع الموافقة والحساب. فيا لها من نفوس مضمحلة فيما بينهما، فحتى متى تسهو وتلعب وملك الموت في طلبك لا يغفل عنك، والملائكة يكتبون عليك أنفاسك.
قال: فخرّ مغشيا عليه.
يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، وتعرّض لمجال المتهجدين، وقل: ضال ضل عن الطريق مقطوع، وهذا مأتم الأحزان، إلى أي وقت تدّخر الدموع، هذا مجلس الشكوى، هذا وقت الرجوع.
فبادروا إخوتي، وافهموا أسرار المراد: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} غافر 44.
وأنشدوا:
ما الذنب لي فيما مضى سالفا ... الذنب للدهر وسوء القضا
فامنن وجد بالصفح عن مذنب ... معترف بالذنب فيما مضى
قد ظل من خوفك في حيرة ... في قلبه منك لهيب الفضا
إن كان لي ذنب فلي حرمة ... توجب لي منك جميل الرضا
ومن كتاب لوامع أنوار القلوب، قال الأصمعي: كنت مارا في البادية، وإذا أنا بامرأة كأنها فلقة قمر، فدنوت منها، وسلمت عليها، فأحسنت إليّ الرد، ثم قلت: يا جارية، كلّي بكلّك مشغول، فقالت في الحال: كلّي لكلّك مبذول، ولكن إن أعجبك حسني فانظر خلفك فانك ترى من هي أحسن مني، فنظرت خلفي، فما رأيت أحدا، فصرخت علي وقالت: إليك عني يا بطّال، لما رأيتك من بعيد