بحر الدموع (صفحة 73)

من هذه؟ فقالت: خالتك عانية أم جعفر بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، فسلكت عليها، وسلمت علي، فسألتها عن حالها، وقلت لها: صيّرك الدهر إلى ما أرى!.

قالت: نعم يا بنيّ، إنما كنا في عوار ارتجعها الدّهر منا.

فقلت لها: حدّثني ببعض شأنك.

قالت: خذ جملة، وقس على ذلك. لقد مضى عليّ عيد مثل هذا منذ ثلاث سنين، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن ابني عاق، وقد كان بعث إليّ برسم الضاحي ألف رأس من الغنم، وثلاثمائة رأس من البقر، دون ما يتبع ذلك من الزينة واللباس، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدي شاتين أجعل إحداهما شعارا، والآخر دثارا (?) ، تعني غطاء بليل.

قال: فغمّني ذلك من قولها، وكربني ما رأيت من حالها، وأبكاني والله قولها، فوهبت لها دنانير كانت عندي.

فانظر أخي حال الدنيا، وكيف يحوّل نعيمها وكيف يذهب ويزول، فالمغرور، والله من اغترّ بها، والمسعود من رأى عيبها وفرّ منها والمصائب في الدنيا أعداد: فواحد يصاب في الأموال والأولاد، والآخر يعرى من الإسلام بالطرد والإبعاد.

قال: بعض السادات: كنت جالسا عند الحسن البصري رضي الله عنه، فمرّ بنا قوم يجرون قتيلاـ، فلما رآه الحسن البصري، وقع مغشيا عليه، فلما أفاق من غشيته، سألته عن أمره فقال: إن هذا الرجل كان من أفضل العبّاد والزهاد وكبار السادات، فقلت له: يا أبا سعيد أخبرنا بخبره، وأطلعنا على أمره.

قال: إن هذا الشيخ خرج من بيته يريد المسجد ليصلي فيه، فرأى في طريقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015