بحر الدموع (صفحة 72)

فالعمر مضى والشيب أتى ... والموت لجينك قد قربا

فأعدّ الزاد فما سفر ... عمر الأيام قد انتهبا

بادر بالتوب وكن فطنا ... لا تلق بجريتك النصبا

فلعل الله برحمته ... يلقي بالعفو لنا سببا

قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كنت أحمل الحطب من الجبال وأتقوّت به، وكان طريقي فيه التقوى والتحري، فرأيت جماعة من صلحاء البصرة في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار، وفرقد السّبخي.

فقلت لهم: أنتم أئمة المسلمين فدلوني على الحلال الذي ليس فيه تبعة، ولا للخلق فيه منّة، فأخذوا بيدي وأخرجوني من طرسوس إلى مرج فيه خبّازي، فقالوا لي: هذا هو الحلال الذي ليس فيه لله تبعة، ولا للخلق فيه منة.

قال: قعدت آكل منه دهرا نيئا، وآكل منه مطبوخا، فأوجدني الله تعالى قلبا طيبا.

قلت: إن كان أهل الجنة بالقلب الذي لي، فهم والله في عيش.

فخرجت يوما على باب البلد، وإذا بفتى يريد البلد، وكانت لي قطيعات بقيت لي من الحطب الذي كنت أبيعه قبل ذلك، فقلت: هذه لا أحتاج إليها، أدفعها لهذا الفقير ينفقها.

فلما دنا مني، أدخلت يدي لأخرجها له، فرأيته قد حرّك شفتيه، وإذا كل ما حولي من الأرض ذهب وفضة، حتى كاد يخطف بصري.

قال: ثم خرجت مرة أخرى، فرأيته قاعدا وبين يديه ركوة وفيها ماء، فسلمت عليه، ثم طلبت منه أن يكلمني فمدّ رجله، فقلب الركوة بمائها، ثم قال: كثرة الكلام تنشفّ الحسنات، كما تنشف هذه الأرض الماء، يكفيك.

قال محمد بن غسان صاحب الكوفة وقاضيها: دخلت على أمي في يوم عيد أضحى، فرأيت عندها عجوزا في أطمار رثة، وإذا لها بيان ولسان، فقلت لأمي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015