الوحي ليس معاناة ذاتية يعالجها النبي في نفسه، بمعنى أنه ليس ضربا من ضروب الكشف والإلهام الذي يكتسبه الإنسان بممارسة بعض الرياضات الروحية العنيفة بل الوحي حوار علوي بين ذاتين: ذات متكلمة آمرة معطية، وذات مخاطبة مأمورة متلقية. ولم يخلط النبي محمد صلى الله عليه وسلم-والأنبياء عليهم الصلاة والسلام- بين ذواتهم الإنسانية المأمورة المتلقية وبين ذات الوحي الآمرة المتعالية، فالإنسان واع أنه إنسان ضعيف بين يدي الله، يخاف عذاب ربه إن عصاه، ويرجو رحمته، ويستمد منه العون، ويصدع بما يأمره به، وأحيانا يتلقى العتاب الشديد، ويعترف بعجزه المطلق عن تبديل حرف من كتاب الله، قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ