القرآن من كلام الله، وقد تكلم به حقيقة لا مجازًا، من باب إضافة الكلام إلى قائله، وهو الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيرًا، فإضافته إلى محمد صلى الله عليه وسلم إضافة تبليغ وأداء، لا إنشاء وابتداء والمشكك في هذه الحقيقة ليس أمامه إلا أن يضيف هذا القرآن إلى النبي نفسه، أو إلى مخلوق علّمه إياه.
أما الاحتمال الأول: وهو كون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لفرط ذكائه، ونفاذ بصيرته، وشفافية روحه، مما يجعله ينشئ -بزعمهم- مثل هذا الكلام البديع الرصين، فمردود بأدلة كثيرة، منها:
1- أن الرجل مهما بلغ ذكاؤه وصفت سريرته أنى له أن يأتي بذكر لأحوال الأمم الغابرة، ومسائل العقائد والشرائع، وما في الجنة والنار من النعيم والعذاب، ثم يذكر لنا ما سيقع في قابل الأيام والدهور، كل ذلك على نحو من التفصيل والتدقيق، مع تمام السبك، وقوة الأسلوب، ومن غير تضاد ولا اختلاف، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو كتابا، ولم يخالط أهل التاريخ.