لو تأملنا المرحلة التي تعيشها أمتنا منذ عقود طويلة لوجدناها تتشابه إلى حد كبير مع مرحلة التيه التي مر بها بنو إسرائيل عندما رفضوا دخول الأرض المقدسة.
فبعد أن نجى الله عز وجل موسى - عليه السلام - وقومه، وأغرق فرعون وملأه، سار موسى - عليه السلام - ببني إسرائيل متوجها نحو الأرض المقدسة، وطلب منهم أن يدخلوها معه، فلما علموا أن فيها قوما أشداء خافوا من مواجهتهم، ورفضوا الدخول وقالوا لموسى: عليه السلام {إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24].
فكان العقاب الإلهي بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26].
والجدير بالذكر أن بني إسرائيل ظلوا خلال هذه المدة يبحثون عن مخرج من التيه، وكلما توهموا مخرجا اندفعوا إليه، وبذلوا فيه جهدهم، ليفاجأوا بعد ذلك أنه سراب ...
يقول ابن كثير: فحرمها الله عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار (?).
وكذلك نحن، فمنذ عقود طويلة والمخلصون من أبناء أمتنا يبحثون عن مخرج للأمة يُنقذها من تيهها، إلا أن هذا البحث - مع ما فيه من جهد وإخلاص- تنقصه حلقة مهمة لكي تكتمل السلسلة وتظهر النتيجة المرجوة، وتنفرج الصخرة انفراجًا يتيح للأمة الخروج من مأزقها الراهن.
هذه الحلقة المفقودة تُعنى بتشخيص السبب الرئيس لمرض أمتنا وكيفية علاجه، وتنطلق من مفهوم يقول بأن أمتنا ليست كبقية الأمم، وأن لها وضعا خاصا عند الله عز وجل، فهي الأمة المكلفة منه سبحانه بحمل رسالته الأخيرة للبشرية وتبليغها للعالمين: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" [البقرة: 143].
هذا التكليف يستلزم بذل الجهد والوسع والطاقة للنجاح في القيام به.
{وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78].
إن الله عز وجل يريد الخير للناس جميعًا {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].
ومراده دخولهم جميعًا الجنة {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 221]. لذلك كانت رسالاته المتتالية إليهم والتي تبشرهم بالجنة، وتخوفهم من النار، وترسم لهم طريق الهداية إليه وإلى جنته.
ولقد اصطفى - سبحانه - أمة الإسلام لكي تقوم بمهمة تبليغ رسالته الأخيرة للبشرية جمعاء.
ولأن القرآن هو رسالته الأخيرة؛ لذلك فهو سبحانه لن يستبدل الأمة الإسلامية بأمة أخرى في مهمة هداية البشرية، وإيصال رحمته للعالمين كما حدث من قبل مع بني إسرائيل حينما استبدل بهم أمة الإسلام بعد خيانتهم للأمانة.
ولقد قامت الأجيال الأولى للأمة بأداء مهمتها خير قيام، وبذلوا غاية جهدهم في تبليغ الرسالة، وإليك أخي القارئ هذه القصة التي تؤكد هذا المعنى ..
يقول الأستاذ جاسم المطوع:
في زيارة خاطفة إلى هونغ كونغ دعاني رجل الأعمال الصيني (كين) إلى بيته لتناول الشاي الصيني والعشاء، فلبيت الدعوة وذهبت إليه وجلسنا جلسة ثقافية وسياحية .. وسألت صاحبي عن سبب دخوله في الإسلام، فقال لي: لقد أعلنت دخولي في الإسلام منذ أحد عشر عاما وكذلك أسلمت زوجتي ودخل في الإسلام ولداي، وسبب دخولي في الإسلام أني كنت أقرأ في تاريخ الصين واكتشفت أن المسلمين وصلوا الصين منذ ألف وثلاثمائة عام، ففوجئت بهذه المعلومة، واعتقدت أنهم وصلوا الصين وقطعوا آلاف الأميال بسبب التجارة أو غيرها من المصالح، ولكنني صدمت أكثر عندما علمت أن حضورهم كان من أجل توصيل رسالة، فهزني هذا الموقف كثيرًا، وقلت في نفسي: يقطعون كل هذه الأميال من أجل توصيل رسالة الإسلام، لا شك أن عندهم خيرًا كبيرًا، فقرأت عن الإسلام، وانشرح صدري، فدخلت فيه والحمد لله .. (?)