بهَا إِبْلِيس اللعين على تَفْرِيق جمَاعَة الْمُسلمين وتشتيت شملهم وإيقاع الْعَدَاوَة والبغضاء بَينهم فترى كل وَاحِد مِنْهُم يعظم إِمَامه الْمُجْتَهد تَعْظِيمًا لَا يبلغ بِهِ أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا وجد حَدِيثا يُوَافق مذْهبه فَرح بِهِ وانقاد لَهُ وَسلم وَإِن وجد حَدِيثا صَحِيحا سالما من النّسخ والمعارض مؤيدا لمَذْهَب غير إِمَامه فتح لَهُ بَاب الِاحْتِمَالَات الْبَعِيدَة وَضرب عَنهُ الصفح والعارض ويلتمس لمَذْهَب إِمَامه أوجها من التَّرْجِيح مَعَ مُخَالفَته للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالنَّص الصَّرِيح وَأَن شرح كتابا من كتب الحَدِيث حرف كل حَدِيث خَالف رَأْيه الحَدِيث وَإِن عجز عَن ذَلِك كُله ادّعى النّسخ بِلَا دَلِيل أَو الخصوصية أَو عدم الْعَمَل بِهِ أَو غير ذَلِك مِمَّا يحضر ذهنه العليل وَإِن عجز عَن ذَلِك كُله ادّعى أَن إِمَامه اطلع على كل مَرْوِيّ أَو جله فَمَا ترك هَذَا الحَدِيث الشريف إِلَّا وَقد اطلع على طعن فِيهِ بِرَأْيهِ المنيف فيتخذ عُلَمَاء مذْهبه أَرْبَابًا وَيفتح لمناقبهم وكراماتهم أبوابا ويعتقد أَن كل من خَالف ذَلِك لم يُوَافق صَوَابا وَإِن نصحه أحد من عُلَمَاء السّنة اتَّخذهُ عدوا وَلَو كَانُوا قبل ذَلِك أحبابا وَإِن وجد كتابا من كتب مَذْهَب إِمَامه الْمَشْهُورَة قد تضمن نصحه وذم الرَّأْي والتقليد وحرض على اتِّبَاع الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة نبذه وَرَاء ظَهره وَأعْرض عَن نَهْيه وَأمره واعتقده حجرا مَحْجُورا وَجعل مختصرات الْمُتَأَخِّرين سعيا مشكورا لتركهم الدَّلِيل وتعصبهم للتقليد واعتقادهم أَنه الرَّأْي السديد وَشَاهد ذَلِك كُله أَن تتأمل مَذْهَب مَالك فترى كتب عُلَمَائهمْ الْمُتَقَدِّمين قد ملئت بالأدلة وحشيت بذم المقلدين كالمبسوط للْقَاضِي إِسْمَاعِيل والمجموعة لِابْنِ عَبدُوس والتمهيد لِابْنِ عبد البر والطراز لسند بن عنان وَقد نبذها الْمُتَأَخّرُونَ وَرَاء ظُهُورهمْ وَأَقْبلُوا كل الإقبال على مَا ابتدعه الْمُتَأَخّرُونَ من حذف الدَّلِيل فِي مختصراتهم وأولعوا بالتقليد بِلَا دَلِيل لاعتقادهم أَن الاشتعال بِهِ عناء وَتَطْوِيل إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
فَإِن قلت قد فهمنا أَن الِاشْتِغَال بالكتب المختصرات المعتقدات فِي الْمذَاهب لَيْسَ يجدي نفعا وَإِنَّمَا هُوَ جهل مركب فَبين لي كَيْفيَّة طلب الْعلم النافع
فَالْجَوَاب أَن الْعلمَاء قد بَينُوهُ غَايَة الْبَيَان فَتَأمل مَا أنقله لَك
قَالَ أَبُو عمر بن عبد البر حَافظ الْمغرب طلب الْعلم دَرَجَات ومناقب ورتب لَا يَنْبَغِي تعديها وَمن تعداها جملَة فقد تعدى سَبِيل السّلف رَحِمهم الله وَمن تعدى سبيلهم عَامِدًا ضل وَمن تعداه مُجْتَهدا زل فَأول الْعلم حفظ كتاب الله عز وَجل وتفهمه وكل مَا يعين على فهمه فَوَاجِب طلبه مَعَه وَلَا أَقُول أَن حفظ كُله فرض وَلَكِنِّي أَقُول أَن ذَلِك وَاجِب لَازم على من أحب أَن يكون عَالما لَيْسَ من بَاب الْفَرْض
حَدثنَا عبد الوارث بن سُفْيَان ثَنَا قَاسم بن أصبغ قَالَ ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ ثَنَا سعيد بن سُلَيْمَان قَالَ ثَنَا مَيْمُون أَبُو عبد الله عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى {كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب} قَالَ حق على