الصَّوَاب وَهُوَ أولى مَا يُؤْخَذ بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
الْفَائِدَة الْخَامِسَة إِذا كَانَ عِنْد الرجل الصحيحان أَو أَحدهمَا أَو كتاب من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موثوق بِمَا فِيهِ فَهَل لَهُ أَن يُفْتِي بِمَا وجده فِيهِ فَقَالَت طَائِفَة من الْمُتَأَخِّرين لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون مَنْسُوخا أَوله معَارض أَو يفهم من دلَالَته خلاف مَا يدل عَلَيْهِ أَو يكون أَمر ندب فيفهم مِنْهُ الْإِيجَاب أَو يكون عَاما لَهُ مُخَصص أَو مُطلقًا لَهُ مُقَيّد فَلَا يجوز لَهُ الْعَمَل بِهِ وَلَا الْفتيا بِهِ حَتَّى يسْأَل أهل الْفِقْه والفتيا وَقَالَت طَائِفَة بل لَهُ أَن يعْمل بِهِ ويفتي بِهِ بل يتَعَيَّن عَلَيْهِ كَمَا كَانَ الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ اذا بَلغهُمْ الحَدِيث عَن رَسُول الله وَحدث بِهِ بَعضهم بَعْضًا بَادرُوا الى الْعَمَل بِهِ من غير توقف وَلَا بحث عَن معَارض وَلَا يَقُول أحد مِنْهُم قطّ هَل عمل بِهَذَا فلَان وَفُلَان وَلَو رَأَوْا من يَقُول ذَلِك لأنكروا عَلَيْهِ أَشد الْإِنْكَار وَكَذَلِكَ التابعون وَهَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ لمن لَهُ أدنى خبْرَة بِحَال الْقَوْم وسيرتهم وَطول الْعَهْد بِالسنةِ وَبعد الزَّمَان عَنْهَا لَا يسوغ ترك الْأَخْذ بهَا وَالْعَمَل بغَيْرهَا وَلَو كَانَت سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسوغ الْعَمَل بهَا بعد صِحَّتهَا حَتَّى يعْمل بهَا فلَان أَو فلَان لَكَانَ قَول فلَان أَو فلَان معيارا على السّنَن ومزكيا لَهَا وشرطا فِي الْعَمَل بهَا وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَقد أَقَامَ الله الْحجَّة بِرَسُولِهِ ص دون آحَاد الْأمة وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبليغ سنته ودعا لمن بلغَهَا فَلَو كَانَ من بلغته لَا يعْمل بهَا حَتَّى يعْمل بهَا الامام فلَان والامام فلَان لم يكن فِي تبليغها فَائِدَة وَحصل الِاكْتِفَاء بقول فلَان وَفُلَان
قَالُوا والنسخ الْوَاقِع فِي الْأَحَادِيث الَّذِي أَجمعت عَلَيْهِ الْأمة لَا يبلغ عشرَة أَحَادِيث الْبَتَّةَ بل وَلَا شطرها فتقدير وُقُوع الْخَطَأ فِي الذّهاب الى الْمَنْسُوخ أقل بِكَثِير من وُقُوع الْخَطَأ فِي تَقْلِيد من يُصِيب ويخطئ وَيجوز عَلَيْهِ التَّنَاقُض وَالِاخْتِلَاف وَيَقُول القَوْل وَيرجع عَنهُ ويحكي عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة عدَّة أَقْوَال وَوُقُوع الْخَطَأ فِي فهم كَلَام الْمَعْصُوم أقل بِكَثِير من وُقُوع الْخَطَأ فِي فهم كَلَام الْفَقِيه الْمعِين فَلَا يفْرض إحتمال خطأ لمن عمل بِالْحَدِيثِ وَأفْتى بِهِ الا وأضعاف أضعافه حَاصِل لمن أفتى بتقليد من لَا يعلم خَطؤُهُ من صَوَابه
وَالصَّوَاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة التَّفْصِيل فان كَانَت دلَالَة الحَدِيث ظَاهِرَة بَيِّنَة لكل من سَمعه لَا يحْتَمل غير المُرَاد فَلهُ أَن يعْمل بِهِ ويفتي بِهِ وَلَا يطْلب لَهُ التَّزْكِيَة من قَول فَقِيه وامام بل الْحجَّة قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن خَالفه من خَالفه وَإِن كَانَت دلَالَة خُفْيَة لَا يتَبَيَّن لَهُ المُرَاد فِيهَا لم يجز لَهُ أَن يعْمل وَلَا يُفْتِي بِمَا يتوهمه مرَادا حَتَّى يسْأَل وَيطْلب بَيَان الحَدِيث وَوَجهه وان كَانَت دلَالَته ظَاهِرَة كالعام على أَفْرَاده وَالْأَمر على الْوُجُوب وَالنَّهْي على التَّحْرِيم فَهَل لَهُ الْعَمَل وَالْفَتْوَى بِهِ يخرج على الأَصْل وَهُوَ الْعَمَل بالظواهر قبل الْبَحْث عَن الْمعَارض وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره الْجَوَاز وَالْمَنْع وَالْفرق بَين الْعَام فَلَا يعْمل لَهُ قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص