الْعلم فَيَكُونُوا عَالمين بِمَا يخبرون بِهِ صَادِقين فِي الْإِخْبَار بِهِ وَآفَة أحدهم الْكَذِب والكتمان فَمَتَى كتم الْحق أَو كذب فِيهِ فقد حاد الله فِي شَرعه وَدينه وَقد أجْرى الله سنته أَن يمحق عَلَيْهِ بركَة علمه وَدينه ودنياه وَمن الْتزم الصدْق وَالْبَيَان مِنْهُم فِي مرتبته بورك لَهُ فِي علمه وَوَقته وَدينه ودنياه وَكَانَ مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِك الْفضل من الله وَكفى بِاللَّه عليما فبالكتمان يعْزل عَن سُلْطَانه وبالكذب بِقَلْبِه عَن وَجهه وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فجزاء أحدهم أَن يعزله الله عَن سُلْطَان المهابة والكرامة والمحبة والتعظيم الَّذِي يلْبسهُ أهل الصدْق وَالْبَيَان ويلبسه ثوب الهوان والمقت وَالْخَوْف بَين عباده فَإِذا كَانَ يَوْم اللِّقَاء جازى الله من يَشَاء من الْكَاذِبين الكاتمين بطمس الْوُجُوه وردهَا على أدبارها كَمَا طمسوا وَجه الْحق وقلبوه عَن وَجهه جزاءا وفَاقا وَمَا رَبك بظلام للعبيد
الْفَائِدَة الثَّالِثَة لَا يجوز للمفتي أَن يشْهد على الله وَرَسُوله بِأَنَّهُ أحل كَذَا أَو حرمه أَو أوجبه أَو كرهه لما لَا يعلم أَن الْأَمر فِيهِ كَذَلِك مِمَّا نَص الله وَرَسُوله على إِبَاحَته أَو تَحْرِيمه أَو إِيجَابه أَو كراهيته وَإِذا مَا وجده فِي كِتَابه الَّذِي تَلقاهُ عَمَّن قَلّدهُ دينه فَلَيْسَ لَهُ أَن يشْهد على الله وَرَسُوله بِهِ ويغر النَّاس بذلك وَلَا علم لَهُ بِحكم الله وَرَسُوله قَالَ غير وَاحِد من السّلف ليحذر أحدكُم أَن يَقُول أحل الله كَذَا أَو حرم كَذَا فَيَقُول الله لم كذبت لم أحل كَذَا وَلم أحرمهُ وَثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب أَن رَسُول الله قَالَ إِذا حاصرت قوما فسألوك أَن تنزلهم على حكم الله وَرَسُوله فَلَا تنزلهم على حكم الله وَرَسُوله فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أم لَا وَلَكِن أنزلهم على حكمك وَحكم أَصْحَابك وَسمعت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يَقُول حضرت مَجْلِسا فِيهِ الْقُضَاة وَغَيرهم فجرت حُكُومَة حكم فِيهَا أحدهم يَقُول زفر فَقلت مَا هَذِه الْحُكُومَة فَقَالَ هَذَا حكم الله فَقلت لَهُ صَار حكم زفر حكم الله الَّذِي حكم بِهِ وألزم بِهِ الْأمة هَذَا حكم زفر وَقَوله وَلَا تقل هَذَا حكم الله وَرَسُوله أَو نَحْو هَذَا من الْكَلَام
الْفَائِدَة الرَّابِعَة ليحذر الْمُفْتِي الَّذِي يخَاف مقَامه بَين يَدي الله أَن يُفْتِي السَّائِل بِمذهب الَّذِي يقلده وَهُوَ يعلم أَن مَذْهَب غَيره فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة أرجح من مذْهبه وَأَصَح دَلِيلا فتحمله الرياسة على أَن يقتحم الْفَتْوَى بِمَا يغلب على ظَنّه أَن الصَّوَاب فِي خِلَافه فَيكون خائنا لله وَرَسُوله وغاشا لَهُ وَالله لَا يهدي كيد الخائنين وَحرم الْجنَّة على من لقِيه وَهُوَ غاش لِلْإِسْلَامِ وَأَهله وَالدّين النَّصِيحَة والغش مضاد للدّين كمضادة الْكَذِب للصدق وَالْبَاطِل للحق وَكَثِيرًا مَا نرد الْمَسْأَلَة نعتقد فِيهَا خلاف الْمذَاهب وَلَا يسعنا أَن نفتي بِخِلَاف مَا نعتقده فنحكي الْمَذْهَب ثمَّ نحكي الْمَذْهَب الرَّاجِح ونقول هَذَا هُوَ