سواء كان المنقول حكما لمبتدأ أو بيانا لمشكل تقدم.
وقد أشار أبو المعالي إلى قوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) تأكيدا، وهذا وإن لم يكن غرض هذا العلم، بل هو من شغل أهل التأويل حسن عندنا لما عن هاهنا أن نشير إيه، وأمثل جواب قيل فيه أن قوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) إنما قصد به رفع ما قد يهجس في النفوس من أن المتمتع إنما عليه صوم سبعة أيام لا أكثر، ثلاثة منها في الحج، ويكمل سبعة إذا رجع، ويلوح لي معنى آخر، وذلك أن قاعدة الشريعة أن الجنسين في الكفارة لا يجب على المفكر أن يجمع بينهما، ألا ترى الحانث في اليمين بالله لا يلزمه أن يطعم المساكين ويكسوهم، ولا يلزم المظاهر أن يعتق ويصوم، ولا القاتل أن يعتق ويصوم، ولا الحالق في الحج أن يهدي ويصوم أو يطعم ويصوم.
فلما اختلف محل هذين الصومين فكانت ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع، صار باختلاف المحلين كالجنسين، والجنسان لا يجمع بينهما هذه الزيادة، وهي قوله تعالى (تلك عشرة كاملة) [ترمي] إلى رفع ما قد يهجس في النفوس من أنه إنما عليه أحد النوعين، إما الثالث، وإما السبع.
وأما المذهب الثاني الذي عد فيه المراتب ثلاثة فإنه يتعقب على نقل أبي المعالي من جهة واحدة، وهي إدخال المحتمل المجمل في مراتب البيان كالقرء وشبهه، والاحتمال نقبض البيان، ويتعقب على نقل الغزالي بهذا، وبوجه آخر، وهو إتيانه المحذوف المفهوم كقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) مؤخررا عن الظواهر، مع كون الظواهر ظنية وهذه المحذوفات قطعية.
وأما المذهب الثالث فإن عد فيه الأفعال من مراتب البيان، وهي مسألة اختلف الأصوليون فيها، فالأكثرون على أن البيان يقع بالأفعال، ومنهم من أنكر البيان بالفعل، ورأى مجرد الأفعال لا تنبئ على المراد، بخلاف صيغ الأقوال التي تنبئ على المراد بالاصطلاح عليها، ومن لم يسلم هذا المذهب يقول متى استؤذن إنسان في أن يؤخذ شيء من ماله، فأشار برأسه نعم، أو لا، فإن هذه الإشارة تنزل بمجردها منزلة القول: نعم، أو لا، فقد صار مجرد الفعل حل محل النصوص من الأقوال، وربما حل الفعل محل الظواهر من الأقوال، كمن فعل فعلا يحتمل أن يريد به أمرا، وأمرا، لكنه في إنبائه عن أحد الأمرين أظهر.
فإن هذا كالمحتمل من الأقوال، ولكنه في أحد محتمليه أظهر، وقد يكون أفعال كالمجمل من الأقوال، باحتمالها الإنباء عن مرادين، احتمالا متساويا، كمن رأيناه صائمًا