الأولى من المقدمة موضوعا، والثانية محمولا ويجعلون محمول الأول موضوعا للثانية، وتكون النتيجة موضوع الأول، ومحمول الثانية، مثل أن يقول القائل: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، فالنتيجة: كل إنسان حساس، على ما عرف في كتبهم من تفصيل القول في المقدمات وتنويعها إلى اللصغرى والكبرى، والسالبة والموجبة إلى غير ذلك من اشتراطهم.
وإنما ذكرنا هذا لما ذكرنا الفئة التي يغلب هذا اللفظ على ألسنتها.
وأما المتكلمون من أئمتنا فلا يكادون يلمون بهذه العبارة، ولا يشيرون إلى هذه المعاني التي ذكرنا عن أهل المنطق.
وأما مما ذكره أبو المعالي من الاستدلال على موضع الخلاف بالوفاق، ثم زيفه فإنك لا تكاد تجد الأئمة المشاهير يعدون هذا قسما من أقسام الاستدلال، ولا أحد منهم يظن أنه يستدل على معرفة الحق في مذهب من المذاهب بالاتفاق والإجماع في مسائل العقائد التي لا يعلم صحة السمع إلا بعد العلم بها، فلا معنى لإضافة هذا المذهب إليهم، نعم قد يستعملون هذا عند المناظرة، والقصد به مناقضة الخصم، ثم مع هذا لا يقتصر الحذاق عليه حتى يظهروا معنى جامعا بين إلزامهم وبين ما ألزموا عليه، ألا ترى أنا نستدل على من زعم أن الجوهر يصح خلوه عن سائر الأعراض إلا الأكوان بموافقته على استحالة الخلو عن الأكوان، كما نستدل على الآخرين بموافقتهم على إحالة التعري عن الألوان، وتناقض طائفة بمذهبه طائفة أخرى من أهل هذين.
وكذلك نستدل أيضًا بالموافقة على استحالة التعري عن الأعراض بعد الاتصاف بها على إحالة التعري قبل الاتصاف، وقد اتفق عليها عندنا وعند من يستدل عليه من مشاهير المعتزلة، ولكن التحقيق في هذا أن المناقضة والاعتراض لا يلزم إلا إذا بينا وجه المناسبة بين الإلزام وبين ما ألزم عليه فنقول: إنما امتنع التعري بعد الاتصاف لصحة القبول، فيلزم على هذا حاله قبل الاتصاف على ما يبسط في كتب علم الكلام، فإذا فعلنا هذا كان استدلالا (...) ورد الغائب إلى الشاهد، وعاد هذا القسم إلى ما مضى الكلام عليه.
وقد عد القاضي في التمهيد من أقسام الاستدلال على صحة الشيء بصحة مثله واستحالته على استحالة مثله، كاستدلاله بخلق الله سبحانه جوهرا على أنه تعالى قادر [على إعادته بعد فنائه]، والاستدلال صحيح لا يقدح فيه عارف، كيف وقد حاج الله سبحانه من