ومثل هذا التأويل لا يصح أن تسود الصحف بذكره، وإنما ذكرناه لتعلقه بأذيال هذه المسألة التي نحن فيها، وأقل ما فيه من الفساد أن هذا جهل باللسان، لأن هذه اللفظة إذا وردت آخر الكلام كانت ملغاة في إعمال الإعراب، وواردة مورد التعليل على ما قدمناه في كتاب الحروف، وهي بخلاف "إذا" الذي لا تنوين فيها، لأن "إذا" ظرف زمان مستقبل، فقد جهل هذا المتأول أحكام الإعراب والرواية أيضا، لأنه لم يقل: فلا إذن، أي إذا جف الرطب وصار تمرا، فلا تبيعوه بالتمر متفاضلا، وحذف هذه الجملة كلها بعد "إذن" فإن إخراج كلام النبي عليه السلام عن الإفادة، وإلحاقه بمن سئل عن شيء، فأجاب عن غيره، وهذا يحاشي منه الفقهاء، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم. يضاف إليه أنه سئل عن شيء فترك الجواب عنه، وأجاب عن غيره والمسألة تبسط في الكتب الفقيهات، وإنما ذكرنا منها هذه الجملة المتعلقة بالتأويل الذي نحن بصدده.
قد قررنا فيما أمليناه من الفقهيات اختلاف فقهاء الأمصار في علة الربا، وسبب اختلافهم في ذلك. والمتعلق من ذلك بما نحن فيه الآن مسألة أشار إليها أبو المعالي على الجملة، وأحال جوابها على كتب له أخرى، وهي مسألة بيع الحفنة بالحفنتين، فقد علم أن العلة عند مالك في تحريم التفاضل في البُر وما في معناه: الاقتيات والادخار، وعند الشافعي الطعم، وعند أبي حنيفة الكيل والوزن؛ فإذا سئل الشافعي عن بيع ما لا يكال من الطعام لقلته كالحفنة قال: لا يجوز بيعها بمثليها، ولا يباع إلا مثلا بمثل، لأن العلة الطعم، والطعم حاصل فيها وإذا سئل عن ذلك مالك قال: لا يجوز، لأنها مما تدخر وتقتا، ولو قل الطعام حتى لا تكون فيه كفاية في التغذي، لم يخل من أن تكون له حصة في التغذي والتقوت، والتعليل للجنس، فوجب تحريم التفاضل. وأما أبو حنيفة فيقول: العلة الكيل، وما لا يكال لقلته فجائز بيعه متفاضلا بجنسه كالحفنة بالحفنتين.
فيتحاكم القول إلى الحديث، فيقول: قال عليه [السلام]: "لا تبيعوا البر بالبر إلا كيلا بكيل" الحديث كما وقع، فيقول أبو حنيفة: ذكره عليه السلام الكيل، يشعر بأن علة الربا الكيل، على ما عرف من بسط الكلام في هذا في كتب الفقه، وإذا ثبت أن اللفظ مشعر بأن العلة الكيل، فالحفنة مما لا يكال، فوجب أن يكون لا ربا فيها لزوال علة الربا منها.