باع غلاما بيديه قلم ودواة، وهو مسود الثياب، حتى ظنه المشتري كاتبا، فقال ابن القصار: لا يلزم الرد بهذا، لأن علف البقر ليس بحرام، فالبائع غير مدلس، ولا فاعل حراما، بخلاف المصري ناقته، فإنه فعل ما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم [عنه]، وهكذا إمساك الدواة والقلم، وتسويد الثياب ليس بحرام. وهذا الذي قاله ابن القصار لنا فيه تفصيل يطول، نمليه في كتبنا الفقيهة إن شاء الله.
وقد ذكر أبو حامد الإسفراييني عن ابن أبي هريرة من أصحابهم أنه يرى أن ذكر الخيار بعد الثلاث في حديث المصراة، إنما وجهه أن خيار الثلاث اشترط فيه. وهذا منه مزاحمة لما أنكرناه وأنكروه على أصحاب أبي حنيفة من تقدير الإضمار (ص 181). وذكر عن المروزي أنه إنما ذكر في الحديث الثلاث، لأن اللبن لا يتبين في أقل من الثلاث.
وقد يقول أصحاب أبي حنيفة: إذا لم يستنكر تخصيص العموم بالقياس وهو نقص من اللفظ، فلا تستنكر زيادة بتقدير محذوف أثبتها القياس.
ويجابون عن هذا بأنهم يرون الزيادة على النص نسخا بخلاف التخصيص، فقد كفونا مؤونة الفرق. وأيضا فإن استعمال اللفظ العام على غير جهة الاستيعاب شائع سائغ في اللسان، فالحمل عليه حمل على معروف اللسان، وإثبات زيادات في الكلام مستغني عنها، والتحكم في ذلك مهجور عند أهل اللسان مستنكر، والزيادات لا تكاد تنحصر وليست زيادة أحق من زيادة، فلو فتحنا هذا الباب لم نقف عند حد، والتخصيص عنده حد على ما سبق بيانه في مواضعه.
قد علم من مذهب مالك أنه لا يرى خيار المجلس، ويعتقد لزوم البيع بالقول وإن لم يفترق المتبايعان، وإن كان من راوي الحديث: "البيعان باخليار ما لم يفترقا"، ووافقه أبو حنيفة على مذهبه هذا، وعلم أيضا مخالفة الشافعي لهما وأخذه بإثبات خيار المجلس اتباعا لهذا الحديث المروي، وأكد هذا عنده أن راويه ابن عمر رضي الله عنه كان يأخذ به، فأكد هذا وجوب العمل به.
ولا يقدح في مخالفة مالك رضي الله عنه، لأن راوي الحديث إذا خالفه أخذ بروايته دون مذهبه على ما تذكر بعد هذا في موضعه، لا سيما إذا بدا عذر راويه في المخالفة. وعذر مالك في هذا أنه رأى العمل مضى بخلافه، وقد قال: ليس لذلك عندنا حد ولا أمر معمول