فيما تعلق به من صناعة النحو، فيقول ما قاله سيبويه: إن المصدر يقدر بـ "ما"، ويقدر بـ "أن"، فإذا قدرنا المصدر هاهنا بمعنى "ما" اقتضى ذلك ما قاله أبو حنيفة، ويكون التقدير: فمن لم يستطع فما يطعم ستين مسكينا، وهو التقدير الآخر، يخرج به إلى ما لا يريد. فأنت ترى كيف أريناك أن له متعلقا بصناعة النحو م وجه آخر، ذكره الإمام الأول وهو سيبويه، وذكر في تقدير المصادر ما حكيناه عنه، وأحد تقديريه فيها يخرج أبا حنيفة إلى ما أراد، فمع إمكان تعلقه بالظاهر من هذه الجهة النحوية، ومن تلك الجهة الفقهية، كيف يفرط في التغليظ عليه فيما ذهب إليه، والأولى أن لا يطرق إلى إمام أدنى ذام أو ملام، ما وجد سبيلا إلى صرف ذلك عنه، ولم نشر بهذا إلى تصحيح ما ذهب إليه في هذه المسألة، ولكن أريناك طرقه فيها، وفي هذا كفاية.

مسألة تأويلية في خبر التصرية

ذكر أبو المعالي، [و] أشار بذكرها إلى انخراطها في سلك ما هو فيه، ولم يورد جوابا عنها، وأحال على كتب متقدمة بسط الكلام فيها على هذه المسائل، فرأينا أن لا نخلي كتابنا هذا من تفصيل ما أجمل، وإحضار ما أحاله على غائب.

فمن ذلك الخلاف المشهور بين فهقاء الأمصار في المصراة، فقد علم أن مذهب مالك رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه، أن من باع ناقة أو بقرة أو شاة، ودلس في لبنها، بأن ترك حلابها أيام حتى كثر درها، وتكاثر لبنها في ضرعها، ليوهم مشتريها أنها غزيرة اللبن، أن ذلك عيب دلس به البائع، وفعل فيه ما لا يحل، وهو بالخيار إذا اطلع على أن لبن الشاة أو البقرة بخلاف ما ظن، بين أن يمسكها أو يردها، وإن ردها فعندنا أنه يرد معها صاعا من تمر، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام: "لا تصروا الإبل، ولا البقر، فمن اشترى مصراة فهو بخير النظرين"، الحديث.

وقد ترك الأخذ به أبو حنيفة، واختلفت النقلة عنه، فلاذي يضيف إليه من تقدم من أصحابه أن التصرية عيب، ولكن منع الرد به تصرف المشترى في المبيع، وهو البقرة أو الشاة، والذي يقوله المتأخرون من أصحابه أن ذلك ليس بعيب عنده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015