كتاب التأويلات

اعلم أن التأويل مأخوذ من المآل الذي هو نهاية الشيء ومرجعه، ومنه: أل يؤل، قال تعالى: (بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا)، يريد أن الآخرة مآل المكلفين، ومرجعهم ليس لهم غيرها مرجع يرجعون إليه، ولا مفزع يفزعون إليه، ومنه قوله تعالى: (هل يعلمون* إلا تأويله) يعني مآله، وقال: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم).

وإذا علمت معنى التأويل علمت بعده أنه لا يتحقق في الممل، إذ المجمل ما لا يفهم معناه، والمعنى إذا لم يفهم كيف يتأول؟ وكذلك لا يتصور التأويل في النصوص، لأجل أن المعنى لا تردد فيه ولا إشكال، ولا يحتمل صرف اللفظ عن معناه إلى معنى آخر، حتى لا يتصور من هذا مرجع رجع إليه الشيء بعد أن كان مقدرا على خلاف ما رجع إليه، لكن التأويل إنما يتصور في الظواهر، لأنا ذكرنا أن الظاهر كل لفظ محتمل، ولكنه في أحد محتمليه أظهر، فحسن هاهناتقدير المرجع والموئل، لتردد المعنى بين أمرين، فتلخص من هذا أن التأويل مقصور على الألفاظ، وأن الألفاظ ثلاثة أنواع: نص، وظاهر، ومجمل، وقد تقدم بيانها وحدودها، فالتأويل منها في الظاهر خاصة.

وأما المجمل فلا تأويل فيه، لأن التأويل وصف لمعنى فهم فأول، وما لا يفهم لا يؤول.

وأما النص فلا تأويل فيه لما قلناه، ولكن العمل فيه من جهة ثانية، وهي تقديم المراتب بعضها قبل بعض، فما كان نصا قطعيا كالقرآن والسنة المتواترة قدم على النصوص الظنية التي ينقلها الآحاد، وصارت المقدمة في المراتب في النصوص كالتقدمة في التأويلات في الظواهر، وإن استوت المراتب في النصوص فليس إلا إسقاطها جميعا أو ترجيح بعضها على بعض، إذا لم يعرف الناسخ على ما سيذكر في موضعه إن شاء الله.

فاضبط من هذا أن الفقيه لا يشتغل بالمجمل إلا من جهة التقدمة في المرتبة أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015