وكذلك يحتج أيضا بحديث معاذ لما قال للنبي عليه السلام: "أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد رأيي" الحديث المشهور، ولم يذكر فيه في طرق ما يرجع إليه في الأحكام النظر في شرع من كان قبلنا.
واعتمد هؤلاء أيضًا أن الصحابة كانت تكثر البحث عن أحكام مشكلة ملتبسة، ويتطلب المعرفة بها من كل جهة، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه بحث عما في الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل، ولو كان أمرا متبعا لنقل ذلك عن بعضهم. ولا معنى لقول من أجاب عن هذا بأن المانع لهم من الرجوع إلى شرع من كان قبلنا [ما وقع فيها من التحريف، فهم موافقون له في المذهب مع] مخالفة له في العلة، مع أنه لو كان ذلك حقا لوجب أن يبين النبي عليه السلام مواضع التحريف [لـ]ـيجتنبوها إذا رجعوا إلى هذه الكتب.
وأيضا فقد كان عبد الله بن سلام، وهو المشار إليه بقوله: (ومن عنده علم الكتب) بين أظهرهم، ولم يسألوه عن أحكام التوراة، ولا عن موضع التحريف، وكذلك فعلوا مع كعب الأحبار.
وأما الذاهبون إلى أنا يجب علينا اتباع شرع من كان قبلنا من الرسل فيعتمدون على قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدة). وأجيب عن هذا بأن المراد به الاقتداء في سلوك طرق التوحيد والإيمان بالله. ويؤكد هذا أن في المذكورين من ليس له شريعة كيوسف، ولكنه كان موحدا، فإذا صرفنا القدوة إلى طرائق التوحيد عممنا الجميع.
وأما عن عين إبراهيم فإنه أخذ بقوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم)، ومن عين نوحا إن كان قيل ذلك كما ظننته ولم أتيقنه الآن، فيعتمد على قوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا). وهذه الآي وأمثالها لما نذكره محمولة على القدرة في التوحيد والإيمان بالله سبحانه، وربما كان في بعض سياق هذه (ص 164) الآيات ما يشهد على صحة التأويل.
ولما نجز القول في تعليم كيفية تلقي الأحكام من ألفاظ صاحب الشرع، ومضى بيان ذلك في كتاب الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، وما يتعلق بهذين الكتابين، رتب سائر المصنفين بعد هذا تعليم فصول أخر من أصول الفقه، إما كتاب الأخبار أو غيره من