إبراهيم)، وبقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا). وسنذكر الجواب عن هذا.
ولعل من قال: شريعة موسى هي التي كان يتبع رأي أن الآخر هاهنا هو المتبع، وشريعة عيسى وإن كانت الآخر فلم تثبت فيها أحكام بنقل متواتر إلى ما قبلها، وهي شريعة موسى.
وأما الوجه الثاني وهو تعبدنا بعد أن بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بشريعة من كان قبله، فاختلف الناس أيضا في ذلك: فقيل: نحن متعبدون بذلك، وقيل: لسنا متعبدين.
والقائلون بأنا متعبدون اختلفوا في عين من تعبدنا بالرجوع إليه، فقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى. وكنا ذكرنا في الوجه الأول، أنه قد ذكر في جملة المذاهب أنه عليه السلام كان قبل مبعثه متبعا شريعة نوح، هكذا نقل أبو المعالي هاهنا.
وظنى أن المذهب الذي نقله هناك في هذا الوجه ينبغي أن ينقل، ولكني لست الآن على ثقة ويقين بهذا، والظاهر أن أصحاب هذا المذهب اعتمدوا على قوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا)، وهذا الخطاب ظاهره تعبدنا نحن بهذا بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقال قوم بالوقف، وجوزوا أن يكونوا متعبدين بشرع من قبلنا، وأن يكونوا غير متعبدين.
فأما الصائرون إلى أن غير متعبدين فمنهم من أنكر ذلك عقلا، وهم المعتزلة، ومسلكهم ما حكيناه عنهم من التحسين والتقبيح، وقد أفسدناه، ومنهم من قال: إنه منع ذلك سمعا، واعتماد هؤلاء على قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
ويجاب عن هذا بأنه لا يمتنع أن يكون هذا وصفا لغالب ما عليه كل رسول. وأيضا فكل رسول له منهاج يضاف إليه، سواء كان ذلك المنهاج موافقا لما قبله أو مخالفا، واعتمد أيضا على أن النبي عليه السلام قال لعمر رضي الله عنه إذا كان يسأل بني إسرائيل عن قصصهم: "لو كان ابن عمران حيا ما وسعه إلا اتباعي"، وهذا يشير إلى المنع من اتباع شريعة من سواه.