وأعان أيضا على بسط هذا وأكده، أن جماعة التلاميذ المجتمعين لإملاء كتابنا هذا عليهم سألوا في الكشف عما أخفى، والإجهار بما أسر فرأينا من الصواب أن نبسط مذاهب الفلاسفة في هذا الفن بسطا يتجلى منه لقارئ كتابنا صورة ما ذهبوا إليه، ونشير في أثناء ذلك لبطلان ما هم عليه، بأن نقرر جملة نستعين بها في الرد عليهم، وذلك أن تعلم أن صاحب المنطق جزأه أجزاء، فمن أجزائه التخييلات والخطابيات، ووصف أهل علم المنطق هذا النوع بأنه يستميل النفوس ويهزها، وهذا لعمري كما قاله، أنت ترى طرب كل ذكي عندما ينشد أشعارا رائقة الألفاظ، بديعة معانيها في التشبيهات والاستعارات والتمثيلات، وكلما زاد الشاعر في تخييل المعاني التي تشتاق إليها الطباع، أطرب السامعين.
وهذا جرى للقوم في علومهم التي سموها الإلهيات والطبيعات، يستمسكون فيها بخيالات مضمحلات، لكنهم يجنحون فيها إلى المحسوسات، فربما استمالت الغر، واستقادت من لم يعجم حقائق الأدلة، ثم مع هذا يزدرون على أدلة المتكلمين، وإن نفس الله في مدة العمر، فلابد أن نورد جميع ما قالوه في كتبهم الإلهيات حرفا حرفا، ونعرض عليك طرقهم في الاستدلال عليها، وطرق المتكلمين، فيغنيك عرض ذلك عليك عن الموازنة بين الفئتين، وعن ذكر الصحيح من المذهبين لظهور ضعف مبانيهم التي بنوا عليها معانيهم.
وهاهنا نبسط لك مذاهبهم في هذا الفن الذي نحن فيه بعبارات تألفها، حتى تتصور معانيهم حقيقة التصور.
فاعلم أنهم يقولون: إن هذه الموجودات التي تتغير صورها، وتوجد بعد أن لم تكن موجودة على أحوال وتدرج، حيوان ونبات، وقد علم أن للحيوان والنبات أفاعل وخصائص، فارقا بها ما سواها من المحسوسات، كالسماء والأرض، وذلك أن هذا النبات والحيوان يحس وجوده على تدريج إلى أن يتكامل، ثم يحس بعد التكامل بنقصه إلى أن ينحل ويبطل، وما ذاك إلا أن لهذين النوعين قوة يكون بها تغذيه، لأنا نشاهد تغذي النبات بالماء وغيره، وتغذي الحيوان بالطعام وغيره، ولولا هذا التغذي لما تكامل وجودهما، ولا نقص ما تكامل منهما، فأضافوا هذا النوع من التغيير المحسوس إلى قوة في جسم البر المودعة في البطن. قالوا: فهذا معنى حصل لهذا النوع، بهذا النوع من الاستدلال، وكذلك