وأما التطوع مأخوذ من الطوع، والمندوب إليه غير مجبور الإنسان بالشرع عليه، بل دعاه الشرع إلى أن يفعله بطواعيته.
وأما النفل فالزيادة، ومنه قوله تعالى: (يسئلونك عن الأنفال)، ونوافل [الشرع] كأنه زيادات على الواجبات، فاستحقت هذه التسمية بهذا المعنى.
وأما الفضيلة (ص 96) فمأخوذة من الفضلة، من قولهم: أكلت حتى فضل لي الطعام، ونوافل الشرع كأنها كالفضلة عن واجباته.
وأما المرغب فيه فمأخوذ من الترغيب، ومعلوم أن صاحب الشرع وعد على فعل النوافل بأجور تثير رغبة السامعين لخطابه في فعلها، وقد تقرر أيضًا التفاضل في أحكام الشرع، فيقال: واجب آكد من واجب، بمعنى زيادة الأجر في الفعل، والعقاب في الترك، ألا ترى أن صائم رمضان أجره في صومه، وعقوبته في تركه أشد من أجر صوم شهر منذور، أو عقوبته إذا وجب عليه الوفاء بالنذر، ولهذا يقال: حرام أشد من حرام، بمعنى التفاضل فيما قلناه، ولهذا كان تحريم الزنا بالأم أعظم من تحريم الزنا بأجنبية، وهكذا يقال في المندوبات: بعضها آكد من بعض، والمراد تفاضل الأجور والثواب فيها، وأما تروكها فمتساوية في ارتفاع الإثم والعقوبة.
ولما علم الفقهاء بهذا التفاضل أرادوا أن يضعوا أسماء تشعر بالتفاوت في الأجور، فسموا ما ارتفعت رتبته في الأجر، وبالغ عليه السلام في التحضيض عليه سنة، وسموا ما كان في أول هذه المراتب تطوعا ونافلة، وسموا ما توسط بين هاتين الحاشيتين فضيلة ومرغبا فيه، ويقارب معنى الفضيلة عندهم.
فإذا سمعت فقهاء المذهب يقولون: الوتر سنة، ويقولون: اختلف المذهب في ركعتي الفجر؛ هل هما سنة أو من الرغائب؟ فمرادهم بما ذكرناه من وفاق هاهنا وخلاف ما نبهناك عليه من الإشعار بطبقات الأجور.
فإذا علمت معاني هذه التسمية لغة وعرفا، فاختلف الأصوليون في حد الندب، وعملهم في استخراج حده على حسب ما نبهناك عليه في استخراج حد الواجب، فقد علمت أن المندوب إليه يفارق الحظر والكراهة والإباحة من ناحية فعله، فإن في فعله ثوابا، وليس في فعل ما ذكرناه ثواب، ولكنه يساوي الواجب من ناحية فعله أيضا، لأن الواجب في فعله