المتروك واجبا عند الله سبحانه، وانفصل عن هذا بأن الناسي، والغافل لا تكليف عليه، والفعل غير واجب في حقه حتى يعلم، فإنما سقط اللوم لسقوط الوجوب، ولو ثبت الوجوب لثبت اللوم.
وقد تقرر أن الشرع اقتضى أفعالا من المكلفين اقتضاء مختلفا، فمنه اقتضاء جازم لم توجد رخصة في تركه، ولا وكل تركه إلى اختيار المكلف، ومنه ما وكل تركه إلى اختيار المكلف، وهذا الذي اقتضى فعله، ووكل تركه إلى اختيار المكلف، فلم يتهدده بالعقاب على تركه. قد تقدم نقلنا عن أئمتنا الاختلاف في تسميته مأمورا به مع اتفاقهم على أنه قد ثبت فيه حقيقة الطلب والاقتضاء، وهذا القسم يعبر عنه في الاصطلاح بست عبارات، فيقال: سنة، وندب، وتطوع، ونافلة، وفضيلة، ومرغب فيه.
فالسنة في اللغة هي الطريقة، قال الله تعالى: (سنة من قد أرسلنا من رسلنا) أي طريقتهم، وقال أبو ذويب:
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها ... فأول راض سنة من يسيرها
وأصل هذه التسمية عند العرب من قولهم: سنت الماء، بمعنى مهدت صوبه للجري، ومنه سمى المسن، وسنة الشرع طريقته التي مهدها لاستقامة الجاري عليها. ومقتضى هذا تسمية النفل والفرض سنة، لأن الفرض طريقة صاحب الشرع أيضا، لكن عرف الاصطلاح قصر هذه التسمية على الطريقة التي ندب إليها دون التي فرضها.
وكذلك تسمية الندب فإنه قد قيل: إنه مأخوذ من الدعاء، ومنه تسمية المرأة الثكلى نادبة، لأنها تقول في ثكلها: وا سيداه، وا سنداه، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها العربيات في الندبة، فعلى هذا يسمى الواجب ندبا، لأن الشرع دعا إليه أيضا فوق ما دعا إلى الندب.
وقيل: بل هو مشتق من التأثير، ومنه الندوب في الوجه، يراد به الآثار، ومنه حديث موسى صلى الله عليه وسلم "لما هرب الحجر بثوبه، فطفق بالحجر ضربا، وذكر في الحديث أن بالحجر ندبا" الحديث، والمراد به الإخبار عما أثر ضربه في الحجر، وعلى هذا يسمى الواجب ندبا، لأنه أثر صاحب الشرع فيه بدعائه إليه، بل هو أشد تأثيرا لما يتعلق بتركه من العقاب.