حديدا)، ومن المبيح كقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا)، إلى غير ذلك من الأنواع التي تعد من مصارف هذه اللفظة.
وخطئ أيضًا أصحاب هذا الرأي بوقوع هذه اللفظة من الداعي لربه، والآمر من هو أعلى منه، وقد قال بعض أئمتنا: من أمر من هو أعلى منه لا يبعد أن (...) قيل إن احترز من احترز بقوله: لمن هو دونه، فقد أصلح بهذه (ص 72) جانبا، وأفسد آخر، بهذا الإصلاح، وذلك أنه يخرج بهذا الإصلاح أمر الأدنى للأعلى، ولكن يدخل عليه أمر النظير للنظير، لأنه قصر الحد على وقوعه من الأعلى للأدنى.
وسلك أبو المعالي في تخطئة من حده بالقول: افعل، طريقة أخرى، وذلك أنه رأى أكثر الأوامر خارجة عن هذه الأحرف التي هي حروف افعل، كقولك: اسقني، أطعمني، وقولك: اسقني أطعمني ليس حروفه، حروف القول: افعل، وإن اعتذروا عن هذا بأنهم لم يريدوا الاقتصار على القول: افعل، وحصر الأوامر كلها في هذه الأحرف، وإنما أشاروا بها إلى هذه البنية والصيغة على حسب ما عرف من اصطلاح النحاة، قيل لهم: التصريح في حدكم إنما اقتضى ما ذكرناه، وهذا معنى آخر، لم يشتمل عليه لفظ حدكم، والتأويل لا يحسن استعماله في الحدود، وعلى هذا الأسلوب يجري الأمر في السؤال عن الأمر، لم كان أمرا؟ فنحن نقول في الأمر النفسي إنما كان أمرا لنفسه، والصارفون له إلى القول اللسني تعيينا أو ترددا بينه وبين غيره، يقولون في اللسني إنما كان أمرا لصيغته، وعليه جمهور الفقهاء.
ولما نوقضوا بما يصدر من النائم، والمهدد، وكون الصيغة فيه موجودة، وليس بأمر، قال بعضهم إنما كان أمرا بصيغته، وتجرده من القرائن، وعد النوم وإشعار التهديد قرينة صارفة له، وأجيب هذا بأن التجرد إشارة لعدم، والعدم لا يكون، ولا يعد علة، وأيضا فإن هذا كالتعليل بأمرين: الصيغة، والتجرد، ولا تعلل العقليات بأمرين.
ولما أحست المعتزلة بهذا، وكانت تنكر قول النفس، اضطرت إلى طلب حيلة أخرى، فقالوا إنما كان لإرادة إيقاع المأمور به، وعندهم أن الأمر يفتقر لثلاث إرادات: إرادة لإيجاده تحرزا مما يقع من النائم، فإنه وإن وقعت منه صيغة أمر، فليس بأمر، لعدم إرادته لإيقاعها. وإرادة ثانية لكون الصيغة أمرا، لأن اليقظان الغافل يحكي صيغة الأمر عن غيره، ولا يكون أمرا. وإرادة ثلاثة إلى إيقاع المأمور به.