لا تأكل السمك، وتشرب اللبن، فإن المراد النهي عن الجمع بين السمك واللبن، ولكن هذا الجمع ليس هو الجمع الذي يشير إليه من تكلم على الواو العاطفة ومتى أراد هذا القائل بهذا الكلام العطف، والنهي عن تناول السمك وتناول اللبن، قال: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فيكون الإعراب يختلف المعنى باختلافه.
فإذا قال: وتشرب اللبن بفتح الباء، كان نهيا عن الجمع بينهما، ويكون الانتصاب في: تشرب بمعنى تقدير حرف أن، وإذا أراد النهي عن أكل كل واحد منهما كسر الباء، فكأنه قال: لا تأكل اسمك وتشرب اللبن، وقد يرفع الباء أيضا، ويكون تقدير الكلام: لا تأكل السمك شاربا للبن، يعني لا تأكله على هذه الحالة بمنزلة من يمضغ المطعوم، هوه (...) الماء.
وأما حرف الفاء فإن الأصل فيه إذا ورد للنسق والعطف للتعقيب من غير تراخ، كقولك (ص 63) جاءني زيد فعمرو.
وترد أيضا للتسبيب والتعليق كالجزاء والشرط. والتسبيب هاهنا يسمى التعقيب كقولك: إن أحسنت إلىّ فأنا أشكرك، فهذه الفاء دخلت في المجازاة، والإحسان بسبب الشكر، والشكر متعلق بالإحسان، وكذلك الشرط والمشروط كله، ومنه قوله تعالى: (من يضلل الله فلا هادي له)، وأنكر القاضي كونها للتعقيب إذا وقعت في جواب الأمر والنهي.
ودافع المعتزلة عن الاستدلال على خلق القرآن بقوله تعالى: (كن فيكون)، وأن الفاء هاهنا للتعقيب من غير تراخ، ولا مهلة، وإذا كان الكائن الحادث عقيب القول: كن، من غير تراخ ولا مهلة، اقتضى ذلك حدث القول الذي هو: كن، فاشتد نكير القاضي لكون الفاء تقتضي التعقيب، في مثل هذا، ورأى أنها إنما تقتضيه في النسق والعطف، وليس هذا منه.
وهذه إحدى الفوائد في الكلام على هذا الحرف، وكذلك أيضا استدلال من