وكان أبو الحسن بن الحداد رحمه الله، وهو أشهر المدرسين لصناعة النحو في إقليمنا لما صنف كتابه أعجبه حد الاسم بأنه: كلمة تدل على مجرد ذات المسمى دلالة تصريح، فأخبرته أن هذا إشارة إلى أصل المعتزلة، لأن لفظ العدم اسم بإجماع النحاة، وهو كلمة لا تدل على ذات عند المعتزلة، والرجل شديد التبري مما يوقع في مذهبهم.
وقد يناقش أيضا من حد [الاسم] بأنه ما دل على معنى، إذا حقق المراد بالمعنى عند العرب، حتى ينظر هل استوفى تسمية المعنى سائر المسميات موصوفاتها، وموجودها، ومعدومها، أم لا؟
وهكذا أشار أبو المعالي إلى حد الفعل أنه صيغ دالة على أحداث الأسماء، مشعرة بالأزمان.
وقد قال بعض أئمة النحاة: الفعل ما دل على معنى مقترن بزمان محصل، وقول أبي المعالي مشعر بالأزمن على الجملة أولى من قول هذا: زمن محصل، لأن الفعل الماضي تحصل زمنه أنه قد مضى. وأما الفعل المضارع فإنه مترددبين زمن الحال، وزمن الاستقبال، فلم يكن زمنه محصلا من هذه الجهة على التعيين.
وجماعة النحاة يثبتون هذا الاحتمال، ويرون الأفعال منقسمة إلى ثلاثة أقسام: ماض، واستقبال، وحال، كما أشار إليه قوله سبحانه: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)، فأثبت الثلاثة الأقسام، إلا شرذمة لا يلتفت إليهم أنكروا فعل الحال، ولم يثبتوا إلا الماضي، والاستقبال، وهذه جهالة منهم بأحكام الوجود.
وذكر أبو المعالي أن المصادر أصول الأفعال، وهي كالتبر الذي هو أصل في المصوغات، فيصاغ منه الماضي، والحال، والاستقبال، كما يصاغ من التبر القرط، والدملج، والخلخال، وهذا الذي قاله مذهب البصريين من النحاة، ومذهب الكوفيين منهم عكس هذا، وهو أن الأفعال أصل المصادر.
يستدل البصريون على قولهم إن المصدر يدل على زمن مبهم، والفعل على زمن حاضر، والإبهام قبل التخصيص، وأيضًا فإن المصدر مدلول الفعل، والفعل دليل عليه، والمدلول قبل الدليل.