غَيْرَ الْحَقِّ} ، أي: لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم، فتبتدعون البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها، التشدد محمود في الحق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً لا في المحدثات الباطلة، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وهم اليهود، إذ قالوا في عيسى وأمه بأهوائهم فقالوا في عيسى ساحر، وقالوا في أمه بغي وأضلوا كثيراً من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم، وضلوا، أي: وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى (77) ، أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية أن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور، وعلى لسان عيسى بن مريم في الإنجيل وعلى لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن فقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ1 بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ} . فقد مسخ منهم طائفة قردة، {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} حيث مسخ منهم خنازير كما لعنوا على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير آية من القرآن الكريم، وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة سببه ما ذكر تعالى بقوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} . أي: بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم: وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ2 فَعَلُوهُ} . أي: كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده". فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوبهم بعضهم ببعض ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لعن الذين كفروا –إلى قوله- فاسقون". ثم قال: "كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على ليد الظالم ولتأطرنه (تعطفنه) على الحق أطرأ ولتقسرنه على الحق قسراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم3" وفي آخر الآية قبح الله تعالى