فإن الموت يدخلها عليكم ويقبض أرواحكم، ولما ذكر تعالى جبنهم وخوفهم ذكر تعالى سوء فهمهم وفساد ذوقهم فقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يعني أنه إذا أصابهم خير من غنيمة أخصب ورخاء، قالوا: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ} لا شكراً لله وإنما لا يريدون أن ينسبوا إلى رسول الله شيئاً من خير كان ببركته وحسن قيادته، وإن تصبهم سيئة فقر أو مرض أو هزيمة يقولون: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ1} ، أي: أنت السبب فيها. قال تعالى لرسوله: قل لهم {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} الحسنة والسيئة، هو الخالق والواضع السنن لوجودها وحصولها. ثم عليهم في نفسياتهم الهابطة، فقال: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} هذا ما دلت عليه الآية الثانية.

أما الآية الثالثة والأخيرة في هذا السياق، وهي قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ2 مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ3} الآية، فإن الله تعالى يخاطب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخبره بأن الحسنة من الله تعالى، إذ هو الآمر بقولها أو فعلها وموجد أسبابها الموفق للحصول عليها، أما السيئة فمن النفس، إذ هي التي تأمر بها، وتباشرها مخالفة فيها أمر الله أو نهيه، فلذا لا يصح نسبتها إلى الله تعالى. وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً} يُسلي به رسوله عما يلاقيه من أذى الناس وما يصادفه من سوء أخلاق بعضهم؛ كالذين ينسبون إليه السيئة تطيراً به فيخبره بأن مهمته أداء الرسالة، وقد أداها والله شاهد على ذلك ويجزيك عليه بما أنت أهله وسيجزي من رد رسالتك وخرج عن طاعتك وكفى بالله شهيداً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- قبح الاستعجال والجبن وسوء عاقبتهما.

2- الآخرة خير لمن اتقى من الدنيا4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015