الأنفال في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} فهذه الألف هي التي نزلت فعلاً وقاتلت مع المؤمنين وشوهد ذلك وعلم به يقيناً، أما الوعد بالإمداد الأخير فلم يتم؛ لأنه كان مشروطاً بإمداد كرز لقريش فلما لم يمدهم، لم يمد الله تعالى المؤمنين، فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ} أي: الإمداد المذكور {إِلا بُشْرَى} للمؤمنين تطمئن له قلوبهم وتسكن له نفوسهم فيزول القلق والاضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين، ولذا قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ1} العزيز أي: الغالب، الحكيم الذي يضع النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد فعل فأهلك من المشركين سبعين، أو يكبتهم أي: يخزيهم ويذلهم إذ أسر منهم سبعون، وانقبلوا خائبين لم يحققوا النصر الذي أرادوه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد وهو عدم صبرهم وإخلالهم بمبدأ التقوى إذ عصى الرماة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلوا من الجبل يجرون وراء الغنيمة هذا على تفسير أن الوعد بالثلاثة آلاف وبالخمسة كان بأحد2، وكان الوعد مشروطاً بالصبر والتقوى فلما لم يصبروا ولم يتقوا لم يمدهم بالملائكة الذين ذكر لهم.

2- النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد الله تعالى فقد ينصر الضعيف ويخذل القوى، فلذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدد. وتحقيق الولاية يكون بالإيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله ثم التوكل على الله عز وجل.

3- ثبوت قتال الملائكة مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدر قتالاً حقيقياً؛ لأنهم نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول، وعليهم شاراتهم وعلاماتهم. ولا يقولن قائل3: الملك الواحد يقدر على أن يهزم ملايين البشر، فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم لا يزيدون عن الألف رجل، وذلك أن الله تعالى أنزلهم في صورة بشر4 فأصبحت صورتهم وقوتهم قوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015