معنى الآيات:
لما قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بوصف كامل لأحداثها وكان الوصف من طريق الوحي فافتقر الموضوع إلى صحة الوحي والإيمان به فإذا صح الوحي وآمن به العبد آمن بصحة البعث والجزاء. ومن هنا أقسم تعالى بأعظم قسم على أن القرآن نزل به جبريل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يقوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو كلام الله ووحيه وليس هو بمجنون يقول ما لا يدري ويهذر بما لا يعني ولا هو بقول شيطان رجيم ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى إخوانهم من الكهان بل هو كلام الله صدقا وحقاً وما يخبر به كما يخبر صدق وحق فقال تعالى {فَلا} أي ليس1 الأمر كما تدعون بأن ما يقوله رسولنا هو من جنس ما تقوله الكهنة. ولا مما يقوله الشعراء، ولا هو بكلام مجانين. ولا هو سحر الساحرين أقسم بالخنس الجوار الكنس أي بكل ما يكنس ويجري ويكنس من الظباء وبقر الوحش والكواكب والدراري الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. والمراد من الخنوس الاختفاء والكنوس إيواءها إلى مكانسها مواضع2 إيوائها. وقوله {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَْ} أي أقسم بالليل إذا أقبل أو أدبر إذ لفظ عسعس بمعنى أقبل وأدبر فهو لفظ مشترك بين الإقبال والإدبار {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أي امتد ضوءه فصار نهاراً بيناً أقسم بكل هذه المذكورات على أن القرآن الذي يصف لكم البعث والجزاء حق الوصف هو قول رسول كريم أي جبريل الكريم على ربه ذي قوة لا يقادر قدرها فلا يقدر إنس ولا جن على انتزاع ما عنده من الوحي ولا على زيادة فيه أو نقص منه. عند ذي العرش سبحانه وتعالى مكين أي ذي مكانة محترمة مطاع في السماوات أمين على الوحي هذا أولاً وثانياً والله وما صاحبكم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بِمَجْنُونٍ} كما تقولون {وَلَقَدْ رَآه} أي رأى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل بالأفق المبين رآه على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح رآه بالأفق ناحية الشرق وقد سد الأفق كله، والأفق بين والنهار طالع. {وَمَا هُوَ} أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} 3 أي بمظنون فيه التهمة بأن يزيد فيه أو ينقص منه أو يبدل فيه أو يغير كما هو ليس ببخيل فيظن فيه أنه يكتم منه شيئاً أو يخفيه بخلاً به أو ينقص منه شحاً به وبخلاً. {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى أوليائهم من الإنس فيخلطون فيه ويكذبون. وقوله تعالى: