ذكر تعالى حال الطغاة الفجار وبين مصيرهم غاية البيان ثًنى بذكر المتقين الأبرار وبين مصيرهم وأنه جنات تجري من تحتها الأنهار فقال وقوله الحق وخبره الصدق {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ1 مَفَازاً} أي مكان فوز ونجاح وبيًنه بقوله حدائق2 أي بساتين وأعنابا وكواعب جمع كاعب الفتاة ينكعب ثديها أي يستدير ويرتفع كالكعب وذلك عند بلوغها وقوله في وصفهن {أَتْرَاباً} جمع ترب أي في سن واحدة دون الثلاثين سنة {وَكَأْساً 3 دِهَاقاً} أي كأس خمر ملأى {لا يَسْمَعُونَ} أي في الجنة {لَغْواً وَلا كِذَّاباً} لا قولا باطلا ولا كذبا. وقوله تعالى {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} أي جزاهم ربهم بذلك فجعله عطاء كافيا4 ووصف الجبار نفسه تعليما وتذكيرا فأبدل من قوله من ربك: قوله {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي مالكها والمتصرف فيهما {الرَّحْمَنِ} رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} ملك عظيم لا يقادر قدره وحده صفا {وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} هنا لا يملك أحد من الخلق {مِنَ الرَّحْمَنِ خِطَاباً} وقوله {لا يَتَكَلَّمُونَ} بين يديه {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ5 الرَّحْمَنُ وَقَالَ} قولا {صَوَاباً} وفي الصحيح أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول من يكلم الله عز وجل في الموقف حيث يأتي تحت العرش فيخر ساجدا فلا يزال ساجدا يحمد الله تعالى بمحامد يلهمها ساعتئذ فيقول له الرب تعالى ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقوله تعالى {ذَلِكَ6 الْيَوْمُ الْحَقُّ} الذي لا مرية فيه ولا شك وهو يوم الفصل وبناء عليه فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا أي مرجعا إليه بالإيمان والطاعة. وقوله تعالى {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} أي خوفناكم عذابا قريبا جدا يبتدىء بالموت ولا ينتهي أبدا، وذلك {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} من خير أو شر أي يرى جزاء عمله عيانا إن كان عمله خيراً جزي بمثله وإن كان شرا جزي بمثله. {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} إنه لما يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا يتمنى الكافر وهو في عذابه أن لو كان ترابا مثل البهائم ولولا العذاب وشدته ودوامه لما تمنى أن يكون ترابا أبدا.