الرسل أقتت ليوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل فيه تعالى بين الخلائق فيقتص من الظالم للمظلوم، ويجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وتوعد المكذبين بذلك فقال ويل يومئذ للمكذبين دلل هنا على قدرته على إهلاك المكذبين بما سبق له أن فعله بالمكذبين فقال في استفهام تقريري لا ينكر {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ} من الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط إلى زمن البعثة النبوية {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ} فقد أهلك أكابر مجرمي قريش في بدر وقوله {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ1} وهو وعيد صريح وحقا والله لقد أهلك المجرمين ولم ينج من الهلاك مجرم وويل2 يومئذ للمكذبين وقوله تعالى {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ3 مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} . هذا استدلال آخر على قدرة الله وعلمه اللذين لا يتم البعث والجزاء إلا عليهما قدرة لا يعجزها شيء وعلم لا يخفى معه شيء فقال مستفهما استفهاما تقريريا {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أي ضعيف هو المني {فَجَعَلْنَاهُ4} أي الماء {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} أي حريز حصين وهو الرحم {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} وهو زمن الولادة {فَقَدَرْنَا5} أي خلق الجنين على أحسن صورة أدق تركيب المسافات بين الأعضاء كما بين العينين كما بين اليدين والرجلين كما بين الأذنين كلها مقدرة تقديرا عجيبا لا تزيد ولا تنقص {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} على الخلق والتقدير معا والجواب بلى ولم إذاً تكفرون وتكذبون؟ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقوله {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً؟} هذا استدلال آخر على قدرة الله على البعث والجزاء والاستفهام فيه للتقرير أيضا {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً6} أي مكان كفاية مأخوذ من كفت الشيء إذا ضمه إلى بعضه بعضا والأرض ضامة للناس كافية لهم كافتة الأحياء7 على ظهرها يسكنون ويأكلون ويشربون والأموات في بطنه لا تضيق بهم أبدا كما لم تضق بالأحياء {وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي في الأرض {رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} أي جبال عاليات