فقال تعالى مؤدباً رسوله محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لا تُحَرِّكْ بِهِ1} أي بالقرآن {لِسَانَكَ} قبل فراغ جبريل من قراءته عليك. إذ كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حريصا على القرآن يخاف أن يتفلت منه شيء فأكرمه ربه بالتخفيف عليه وطمأنه أن لا يفقد منه شيئا فقال له {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} مخافة أن يتفلت منك {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي في صدرك {وَقُرْآنَهُ} على لسانك حيث نسهل ذلك ونجريه على لسانك، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي قرأه جبريل عليك {فَاسْتَمِعْ} له ثم اقرأه كما قرأه واعمل بشرائعه وأحكامه. وقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ2} أي إنا نبين لك ما يشكل عليك من معانيه حتى تعمل بكل ما طلب منك أن تعمل به. وقوله تعالى {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} عاد السياق الكريم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء والتي عليها وعلى الإيمان بالله مدار الإصلاح والتهذيب فقال {كَلَّا3} أي ليس كما تدعون من عدم إمكان البعث والجزاء لأنكم تعلمون أن القادر على إيجادكم اليوم وإعدامكم غداً قادر على إيجادكم مرة أخرى، ولكن الذي جعلكم تكذبون بالبعث والجزاء هو حبكم للحياة العاجلة أي الدنيا وما فيها من لذات وشهوات، وترككم للآخرة أي للحياة الآخرة لأنها تكلفكم الصلاة والصيام والجهاد، والتخلي عن كثير من اللذات والشهوات. بعد أن كشف عن نفسيات المكذبين توبيخا لهم وتقريعاً عرض على أنظارهم منظراً حيا وصورة ناطقة لما يتجاهلونه من شأن الآخرة فقال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ تقوم القيامة {نَاضِرَةٌ} أي حسنة4مضيئة مشرقة لأن أرواح أصحابها كانت في الدنيا مشرقة بنور الإيمان وصالح الأعمال {إِلَى رَبِّهَا5 نَاظِرَةٌ} سعيدة بلقاء ربها مكرمة بالنظر إليه وهي في جواره {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي كالحة مسودة عابسة وذلك لأن أرواح أصحابها كانت في الدنيا تعيش على ظلمة الكفر وعفن الذنوب ودخان المعاصي فانطبعت النفس على الوجه فهي باسرة حالكة عابسة {تَظُنُّ} أي توقن أي الوجوه والمراد أصحابها {أَنْ يُفْعَلَ6 بِهَا فَاقِرَةٌ} أي داهية عظيمة تكسر فقار