يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا1 على {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} كما كانوا يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه الله عليه قال تعالى {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي وانطلقوا صباحا على حرد أي2 قصد تام قادرين على أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ولا يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين. قال تعالى {فَلَمَّا رَأَوْهَا} محترقة سوداء مظلمة {قَالُوا} ما هذه جنتنا {إِنَّا لَضَالُّونَ3} عنها بأن أخطئنا الطريق إليها، ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليلا اضربوا عن قولهم الأول وقالوا {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا لله وأداء لحقه. وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا بما أخبر تعالى عنه في قوله {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ4 أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا فقلت لكم هلا يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الاستثناء لأن التسبيح تنزيه لله عن الشرك وسائر النقائص ومنها العجز والاستثناء تنزيه لله عن ذلك لأن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه قدرة كقدرة الله الذي إذا قال أفعل فعل ولا يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات الله تعالى فلذا كان الاستثناء تسبيحا لله وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله. فلما ذكرهم أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فنابوا بهذا الاعتراف قال تعالى {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان المساكين وعلى عدم الاستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قَالُوا يَا وَيْلَنَا} أي يا هلاكنا احضر {إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} أي متجاوزين حدود الله التي حد لنا غفلة منا وجهلا بأنفسنا وبما يعاقب به أمثالنا. وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى الله بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من رحمته فقالوا {عَسَى5 رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا6 رَاغِبُونَ} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم بسلبها فتابوا