بالمدينة بأولادهم ونسائهم في سنة مجدبة فأظهروا له الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في نفوسهم، فكانوا يغدون على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويروحون ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحها، ونحن قد جئناك بالأطفال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على رسول الله وهم يريدون الصدقة ويقولون أعطنا فأنزل الله تعالى هذه الآية تربية لهم وتعليما إتماما لما اشتملت عليه سورة الحجرات من أنواع الهداية والتربية الإسلامية فقال تعالى {قَالَتِ الأَعْرَابُ} أعراب بني أسد آمنا أي صدقنا بتوحيد الله وبنبوتك. قل لهم ردا عليهم لم تؤمنوا بعد، ولكن الصواب أن تقولوا أسلمنا أي أذعنا للإسلام وانقدنا لقبوله وهو الإسلام الظاهري، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم بعد وسيدخل إن شاء الله. وإن تطيعوا الله ورسوله أيها الأعراب في الإيمان الحق وفي غيره من سائر التكاليف لا يلتكم1 أي لا ينقصكم الله تعالى من أجور أعمالكم الصالحة التي تعملونها طاعة لله ورسوله شيئا وإن قل. وقوله إن الله غفور رحيم في هذه الجملة ترغيب لهم في الإيمان الصالح والإسلام الصحيح فأعلمهم أن الله تعالى غفور للتائبين رحيم بهم وبالمؤمنين فتوبوا إليه واصدقوه يغفر لكم ويرحمكم وقوله تعالى في الآية (15) إنما المؤمنون الآية يعرفهم تعالى بالإيمان الصحيح دعوة منه لهم لعلهم يؤمنون فقال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ2} أي حقا وصدقا الذين آمنوا بالله رباً وإلها ورسوله نبيا مطاعا، ثم لم يرتابوا، أي لم يشكوا أبدا في صحة ما آمنوا به، وجاهدوا أي أنفسهم وألزموها الاستعداد للنهوض بالتكاليف الشرعية في المنشط والمكره، كما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعداء الإسلام من المشركين والكافرين وذلك الجهاد بالنفس والمال لا هدف له إلا طلب رضا الله سبحانه وتعالى أي لم يكن لأي غرض مادي دنيوي وإنما لرضا الله ولإعلاء كلمة الله وهؤلاء هم الصادقون في دعوى الإيمان وقوله تعالى في الآية (16) {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ} أي قل يا رسولنا لأولئك الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم أتعلمون الله بدينكم أي بإيمانكم وطاعتكم وتشعرونه بهما والحال أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، والله بكل شيء عليم إنه لا معنى لتعليمكم الله بدينكم وهو يعلم ما في السماوات وما في الأرض وهو بكل شيء عليم إنه مظهر من مظاهر جهلكم بالله تعالى، إذ لو علمتم أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض من دقيق