وأيديكم عنهم ببطن مكة: فأخذهم أصحاب رسول الله أسرى وأتوا بها إلى رسول الله فعفا عنهم.
من بعد أن أظفركم عليهم: وذلك بالحديبية التي هي بطن مكة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إفضال الله تعالى وإنعامه على المؤمنين المبايعين الله ورسوله على مناجزة المشركين وقتالهم وأن لا يفروا فقد ذكر أنه أنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم خيبر الكثيرة فعطف على السابق خبراً عظيماً آخر فقال {وَعَدَكُمُ1 اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} أي غنيمة خيبر، {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ2 عَنْكُمْ} وذلك أن يهود المدينة تمالأوا مع يهود خيبر وبعض العرب على أن يغيروا على دور الأنصار والمهاجرين بالمدينة ليقتلوا من بها وينهبوا ما فيها فكف تعالى أيديهم وصرفهم عما هموا به كرامة للمؤمنين، وقوله {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} 3 أي تلك الصرفة التي صرف فيها قلوب من هموا بالغارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة وهم غيب بالحديبية آية تهديهم إلى زيادة التوكل على الله والتفويض إليه والاعتماد عليه. {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} أي ويسددكم طريقا واضحا لا اعوجاج فيه وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم فتتوكلوا عليه في جميعها فيكفيكم كل ما يهمكم، ويدفع عنكم ما يضركم في مغيبكم وحضوركم. وقوله تعالى {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا} أي وغنائم أخرى لم تقدروا وهي غنائم الروم وفارس. وقد أحاط الله بها فلم يفلت منها شيء حتى تغزوا تلك البلاد وتأخذوها كاملة، {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} ومن مظاهر قدرته أن يغنمكم وأنتم أقل عددا وعددا غنائم أكبر دولتين في عالم ذلك الوقت فارس والروم. وقوله {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} أي ومن جملة إنعامه عليكم أنه لو قاتلكم أهل مكة وأنتم ببطنها لنصركم الله عليهم ولا انهزموا أمامكم مولينكم ظهورهم ولا يجدون ولياً يتولاهم بالدفاع عنهم ولا ناصراً ينصرهم لأنا سلطناكم عليهم. وقوله تعالى {سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ} أي في الأمم السابقة وهي لأن الله ينصر أولياءه على أعدائه لابد فكان هذا كالسنن الكونية التي