فأصبحوا لا يرى إلا مساكتهم: أي أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق إلا مساكنهم.
كذلك نجزي القوم المجرمين: أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عاداً قوم هود وهو الهلاك الشامل نجزي المجرمين من سائر الأمم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى {وَاذْكُرْ} أي لقومك للعبرة والاتعاظ {أَخَا عَادٍ} وهو هود عليه السلام والأخوة هنا أخوة نسب لا دين. إذ كره {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} إذ خوفهم عذاب الله إن لم يتوبوا إلى الله ويوحدوه، والأحقاف وادي القوم1 الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرة وعُمان جنوب الجزيرة العربية. وقوله {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ2 مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه} أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده في أممهم. أي لم يكن هود أول نذير، ولا أمته أول أمة أنذرت العذاب وقوله {لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ} أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن لا يعبدوا إلا الله، وهو بمعنى لا إله إلا الله التي دعا إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته فهي أمر بعبادة الله وترك الشرك فيها، وقوله {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة، فكان رد القوم ما أخبر تعالى به في قوله {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا3} أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أي من العذاب {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فيما4 توعدنا به وتهددنا، فأجابهم هود عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه بقوله {قَالَ} أي هود {إِنَّمَا 5الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ} أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما هو لله منزله، فمهمتي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ6} أي بما يضركم وما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإلا كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة والسعادة لا العذاب والشقاء قوله تعالى7 {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي فلما رأى قوم هود العذاب متجها