تعالى تنزيل1 الكتاب من الله العزيز الحكيم أي تنزيل القرآن كان من عند الله العزيز أي الانتقام من أعدائه الحكيم في تدبير أموره خلقه وقوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي في خلقهما وإيجادهما وما فيها من عجائب الصنعة كآيات للمؤمنين2 تدلهم على استحقاق ربهم للعبادة دون سواه من سائر خلقه، وخص المؤمنون بهذه الآيات لأنهم أحياء يسمعون ويبصرون ويعقلون فهم إذا نظروا في السموات والأرض تجلت لهم حقائق أن الخالق لهذه العوالم لن يكون إلا قادراً عليماً حكيماً عزيزاً ومن ثم وجب أن لا يعبد إلا هو، وكل عبادة لغيره باطلة.
وقوله: وفي خلقكم أيها الناس أي في أطوار خلقكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى بشر سوى الخلقة معتدل المزاج والتركيب له سمع وبصر ونطق وفكر.
وما يبث من دابة أي وما يخلق وما يفرق وينشر في الأرض من أنواع الدواب والبهائم والحيوانات على اختلافها من برية وبحرية آيات لقوم3 يوقنون أي يوقنون في إيمانهم بالله تعالى وآياته، كما يوقنون بحقائق الأشياء، الثابتة لها فالواحد مع الواحد اثنان والموجود ضد المعدوم، والأبيض خلاف الأسود، والابن لابد به من أب، والعذب خلاف المر فأصحاب هذا اليقين يرون في خلق الإنسان والحيوان آيات دالة على وجود الله وعلمه وعزته وحكمته وقدرته على البعث والجزاء الذي أنكره عادموا العقول من المشركين والكافرين. وقوله: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} أي بتعاقبهما بمجيء الليل وذهاب النهار، والعكس كذلك وبطول أحدهما وقصر الآخر تارة والعكس كذلك وما أنزل الله من السماء من رزق أي من مطر هو سبب الرزق فأحيا به الأرض بعد موتها بيبس النبات وموته عليها، وتصري الرياح من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب ومن رخاء لينة إلى عاصفة ذات برد أو سموم إن في المذكورات آيات حججاً ودلائل دالة على وجود عبادة الله وتوحيده في ذلك، ولكن لقوم4 يعقلون أي لذوي العقول النيرة السليمة. أم الذين لا عقول لهم فلا يرون ولا في غيرها آية فضلا عن آياتٍ.