معنى الآيات:
لما ذكر تعالى حال أهل النار عقب عليه بذكر حال أهل الجنة وهذا هو أسلوب الترغيب والترهيب الذي تميز به القرآن
الكريم لأنه كتاب دعوة وهداية زيادة على أنه كتاب تشريع وأحكام فقال عز قائل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي1 مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون} فأخبر تعالى أن الذين اتقوه في الدنيا فآمنوا به وأطاعوه في أمره ونهيه ولم يشركوا به هؤلاء في مقام أمين أي في مجلس آمن لا يلحقهم فيه خوف، وبين ذلك المقام الآمن بقوله {فِي جَنَّاتٍ} أي بساتين وعيون. يلبسون أي ثيابهم من2 سندس واستبرق، والسندس مارق من الحرير والاستبرق ما غلظ منه، وقوله متقابلين أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لأن الأسرة التي هم عليها تدور. وقوله تعالى: {كَذَلِكَ} أي الأمر كذلك أي كما وصفنا وزوجناهم بحور3 عين، الحوراء من النساء البيضاء ومن في عينيها حور وهو كبر بياض العين على سوادها والعين جمع عيناء وهو واسعة العينين. وقوله {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} أي يطلبون الخدمة أن يوافوهم بكل فاكهة حال كونهم آمنين من انقطاعها ومن ضررها ومن كل مخوف يلحق بسببها أو بسبب غيرها.
وقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} 4 أي لا يذوقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا فإن أهلها لا يمرضون ولا يهرمون ولا يموتون وقوله تعالى: {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} ، وهذا دال على أن غير المتقين من الموحدين قد يذوقون عذاب الجحيم قبل دخولهم الجنة بخلاف المتقين فإنهم لا يدخلون النار البتة وقوله تعالى: {فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ} أي كان ذلك الإنعام والتكريم فضلا من ربك إذ لم يستوجبوه لمجرد تقواهم وقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث مسلم "سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله" قالوا ولا أنت يا سول الله قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". وقوله ذلك هو الفوز العظيم. أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم وهو كما في قوله من سورة آل عمران: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .
وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون5َ} أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك العربية