معنى الآيات:
بعد ذلك العرض الهائل لأهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده أن يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذاً لأنفسهم من النار فقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ (1) } بمعنى أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي إذا جاء لا مرد له من الله، إذ لا يقدر على رده إلا الله والله أخبر أنه لا يرده فمن يرده إذاً؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل مجيئه حيث لا يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب ولا يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلا أحصاها عدا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47) وهي قوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (2) } . وقوله تعالى في الآية الثانية (48) {فَإِنْ أَعْرَضُوا} أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والطاعة {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} رقيباً تحصي أعمالهم وتحفظها لهم وتجازيهم بها. {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} أي ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت وبرئت ذمتك فلا يهمك أمرهم ولا تحزن على إعراضهم.. وقوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ (3) مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمة كسعة رزق وصحة بدن وكثرة مال وولد فرح بها فرح البطر والأشر، وهذا الإنسان الكافر أو الجاهل الضعيف الإيمان. وإن تصبهم سيئة أي ضيق عيش ومرض وفقر بما قدمت أيديهم من الذنوب فإن الإنسان كفور سرعان ما ينسى النعمة والمنعم ويقع في اليأس والقنوط هذا الإنسان قبل أن يؤمن ويسلم ويحسن فإذا آمن وأسلم وأحسن تغير طبعه وطهر نبعه وأصبح يشكر عند النعمة ويصبر عند النقمة. وقوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ (4) وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} إن بحكم سلطانه على الأرض والسماء فإنه يتصرف كيف يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم له ذكرانا وإناثاً، ويجعل من يشاء من الناس عقيماً لا يلد ولا يولد له، وهذا ناتج عن علم أحاط بكل شيء، وقدرة أخضعت لها كل شيء وهذا معنى قوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (5) فالواجب أن يسلم العبد لربه فيما وهبه وأعطاه إذ الله يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، من السفه الاعتراض على حكم الله.